استيقظ باكرا يفرك عينيه بأصابع مرتعشة ولم يبرح الفزع دواخله بعد ، يفك شفرات حلم راوده متعدد المشاهد متداخل الصور ، علقت بذهنه صور شخوص يعرفها عن كتب وتلاشت معاني حديث من هنا وهناك ، جلس مستويا ، حوقل ، استرجع ، تناول الكأس فعب منه الماء عبا ، أراد أن يرجع الى حضرة النوم عله يستكمل شريط الحلم ، غالبا ماكان سابقا يستيقظ في منتصف حلم كئيب ، يراجع مشاهده كما لو يراجع فصول مسودة رواية على الورق ، ينتقي منها مايطيب له خاطره وينفث الباقي ثم ينادي على النوم وحلمه فيفتي عليه ما أراد ، لكن هذه المرة لم يتبين له الأبيض من الأسود من الحلم .
لم يعد يتذكر من حلمه اللغز سوى حبيبته التي مثلت أمامه بفستان أبيض فاتن ، وقد ارتسم على محياها الملائكي ابتسامة غير مكتملة ، كانت تنظر اليه وتهمس ، وتنتظر منه تجاوبا هو عاجز عنه ، ثم ما لبث أن شاهد حصانا أشهبا يداعب بحوافره رمل شاطئ ، بدا لو أنه حصان غير مروض ، حينها صارت أمواج البحر تصدر مدا متصاعدا ثم توغل في جزرهادئ ، تجلى له حينها يوم مصيف وشمس حارقة في كبد السماء ، لم يكن للطيور أثر سوى من نورس تائه حط على صخرة وظل ينظر اليه مليا .
استلقى على ظهره ، أغمض عينيه ببطء بعدما أخذ نفسا عميقا ، نادى على النوم وحلمه اللغز ، تجسر النوم هذه المرة كذاك الحصان الغير المروض ، وصار حلمه اللغز يرقبه من بعيد كذاك النورس المنفرد التائه ، تاهت أفكاره فباتت بين مد وجزر كموج البحر، أحس بدفىء يسري في أوصاله كشمس حارقة في يوم مصيف ، همس كأنه يهذي :
ـ ” حبيبتي ، هاأنذا في يقظتي ، لم أقو في حلمي على الحديث ، معذرة ، انتظرتني كثيرا ، ولم يبرح الفستان الأبيض قدك الغض ، ولم تهجر ابتسامتك المؤجلة محياك الطاهر ، رغم زحف العمر قدما ، هاأنذا ، مازالت في الحياة بقية ، فان لم نلتق هنا على أرض الغواية ، ففي سماء الطهر موطئ لقاء…..وحب ” .
القاص جمال عتو المغرب