لقمة عيش ناشف

You are currently viewing لقمة عيش ناشف
لقمة عيش ناشف

عند الخامسة بعد منتصف الليل دقت ساعة المنبه في هاتف المهدي، استيقظ وزوجته، ونهضا من فراشهما بسرعة، توضأ وصلى صلاته، بعدها على الفور خلع ملابس النوم وارتدى ملابس العمل، في تلك الأثناء كانت زوجته قد أعدت له فطورا سريعا، لم يتعدى شاي وخبز وزيت مع قليل من الجبن، تناول فطوره على عجل، وتسلل إلى غرفة أطفاله ليجدهم مازالوا يغطون في نوم عميق. لم يكن يشغل باله سوى شيء واحد، هل سيوّفق في هذا اليوم أن يعثر على عمل؟ يمكنه الحصول على لقمة يدخلها على أطفاله أم لن يحالفه الحظ كما يحدث له في بعض الأحيان وخصوصا عندما نزل هذا الوباء على الكل؟

أدركت زوجته ما يدور بذهنه من هواجس، طمأنته قائلة:

– لاتفكر كثيرا من توكل على الله فهو حسبه، كيف له أن لايطعمنا وهو من يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا.

أجابها المهدي وقد استبشر من كلامها خيرا.
-ونِعم بالله صدقت أنا ذاهب الآن، أترككم في حفظه.

اتجه بعدها نحو الباب وأغلقه خلفه. وأمله في أن يبتسم القدر له ولأمثاله الذين هم عمال كادحون يضطرون إلى الخروج من بيوتهم في كلّ يوم، وهدفهم تأمين عيشهم وعيش أسرهم المعدمة في غالب الأحيان.
كعادته كلما وصل إلى مكانه الذي بات يقصده دون تفكير على قارعة الطريق في ذاك الشارع المعروف وسط المدينة يجد قد سبقه إليه كادحون على رصيفه يجلسون وقد أنهكتهم الأيام حتى سبقت ملامحهم أعمارهم. لكثرة ما أذاقتهم الحياة من نوائبها والعوز الذي ما برح بيوتهم فإن لم يشتغلوا يوما بيوم لن يسدوا رمق جوعهم ولن يسكتوا أطفالهم.

ما أخافهم شبح فيروس كورونا يوما حين فتك بالعالم، وهم من ظلوا يتعالون على فزعهم وكذلك على قلقهم. ثمّة ما هو أهمّ من ذلك. إنّها لقمة العيش، وإن كانت مغمّسة بالعرق والقهر والألم. المهمّ توفيرها حتى لا يعودوا إلى البيوت ويصطدمون بنظرات الخذلان والاحتياج.

كلما مرت من أمامهم سيارة في ذاك المكان  يتسابقون إليها، ونظارتهم على من بداخلها، لقد كانوا يتقنون كل الأعمال، المهم أن يجدوا عملا لايهم العناء ولا كم سيتقاضون مقابل ذلك، هكذا كان يقضي المهدي صباحه إلى أن يرسل له الله من يكون سببا في رزق ذلك اليوم، يبتسم فرحا ويوافي ذلك الذي قصده إلى أن ينتهي من عمله الشاق، يلملم حاجياته منصرفا باتجاه بيته، وقد حمد ربه على رزقه القليل مادام من عرق جبينه مغموسا بالحلال،  تظل تلك حياته وذاك هو عمله الذي يسترزق منه، يبيت الليل ليصبح دون أن يدري ما يخبئه له غده، ليس هو بل كل من يشبهه، ويحيا نفس حياته.

 

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً