قصة تحدي

You are currently viewing قصة تحدي
قصة تحدي

استيقظ أحمد صباحا على رنات هاتفه المزعجة أوقفها بسرعة لقد كادت توقظ طفله الصغير، يعلم أن زوجته في المطبخ تعد له فطوره ووجبة غذائه التي سيحملها معه إلى العمل. نهض بخطى متكاسلة إلى الحمام توضأ وصلى صلاته بعدها جلس لتناول فطوره واحتساء فنجان قهوته حتى يستعد لاستقبال يوم آخر يقضيه كعادته في العمل الشاق تحت شمس محرقة.

قضى سنوات عمره في بناء بيوت لايمتلكها، وبكل حب وإخلاص كان يعمل ويكد وعند كل بيت يبنيه يتخيل أنه سيكون له مثله يوما، وهو الآن لا يملك حتى بيتا لنفسه يأويه وأسرته، بل يعيش مع والدته في بيت صغير متاهلك آيل للسقوط. إنه لأشد أنواع الاغتراب الإنساني الذي عبر عنه ماركس، أن لا يمتلك العامل البسيط السيطرة على ما ينتجه لأنه مجبر على بيع قوَّته للرأسمالي مقابل نقوذ لا تفي بالغرض ولا تعادل ما قدمه من عمل. أكمل أحمد فطوره وطرد تلك الأفكار من باله فهي تغضبه وتخرجه عن طواعيته، وسلم أمره لله. يدرك كل الإدراك أن لا عدل على الأرض مادام قانون الغاب هو السائد، فيه يحكم القوي الذي يملك المال، حمل معدات العمل معه بينما زوجته أتت مسرعة مناولة إياه طعامه وقد لفّته بعناية داخل كيس وهي توصيه كالعادة، أن يهتم بنفسه ويأكل ويشرب جيدا، حتى أنه حفظ كلماتها التى ترددها دوما:

-عزيزي إياك أن لا تشرب الماء كثيرا فأنت تعمل تحت أشعة شمس محرقة وأخاف أن تُهلك.

يجيبها قائلا كعادته:
– لا تقلقي سأعمل بنصيحتك وسأعود إليكم سالما بإذن الله.


أما بينه وببن نفسه عاش يردد قائلا :
– لقمة العيش كم هي صعبة!
مؤكد ذلك أليست هي التي تؤرقه وخصوصا حين ينقضي عمله في مكان ما، ليبيت بعدها يفكر متى سيحصل على عمل آخر حتى لا يتوقف عيشه؟
حياته قضاها بين الإسمنت والرمل يظل يخلط الإسمنت حتى يأخذه التعب، فيغفو دقائق للاستراحة فوق ذلك الخليط والخوف أن توقظه ركلة. والأصعب من ذلك حين يظل معلقا بين السماء والأرض وهو يتسلق المباني من الخارج على خشب مثبت على شرف المباني، لتغدو حياته بين كفي القدر، لا يستخدم وسائل أمان أو حماية من السقوط، غايته أن ينهي ما أوكل إليه بنجاح وليس بعاهة مستديمة أو موت.
وبالرغم من عناد الأشياء له وتحدياتها، وبالرغم من الخوف من المجهول، يظل متمسكا بنشوة الأمل كتعويذة سحر، لمواصلة مشواره وتحدي كل ما يعوق مسيرته أمله الوحيد من الحياة هو أن لا تخذله الأيام الآتية وتنصفه ليتسطيع إسكات تلك الأفواه التي تنتظره كل مساء.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً