لم تتمالك إيزلا عند رؤية أبيها ضعيفا لا يقوى على الحراك وهو من عهدته قويا يصارع الأمواج ويغوص في أعماق البحر، بدأت بالبكاء خوفا أن تفقد أباها وتجد نفسَها وحيدة في عالم غريب عنها، نهضت مسرعة لجلب الماء لأبيها تريده أن يعود للحياة أن ينهض وإنْ سقطَ، شرب منه القليل ونهض محاولا أن يظل متماسكا حتى لا يزيد من قلق وحزن ابنته الوحيدة.
سعادته أن يراها دوما سعيدة وأن لا تعاني من أي شيء، وفي نفس الوقت فكر في الأهم أن يترك لها وصية تتضمن أبحاثه التي توصل إليها حتى تخرجها إلى النور فتكمل بذلك مشوارَه.
لقد قضى عمرَه وهو يغوص في أعماق البحر الذي يحتوي على الكثير من الدفائن والغموض، سحره عالم البحار حتى جعله مَقَرّا له ليستكشف حقائق علمية عن مخلوقات وشُعب مرجانية، الآن حان الوقت ليقدمها لابنته وهو راض عن كل إنجازاته التي تعب من أجل تحقيقها، ووفاء لعهد كان قد أعطاه لزوجته بأن يسير على ذلك الدرب الذي رسمه وإياها حتى النهاية، فهي أيضا عاشت مُولعة بعالم البحار وعملت معه في نفس المجال لولا أن وافتها المنية.
أخرج ملفا من درج مكتبه وقدمه لابنته بعد أن شرح لها كل ما فيه وما يحتويه من أوراق وعقود مهمة لشركات ظل يتعامل معها في فترة عمله، وقد ركز على الشركة الأخيرة حيث طلب منها أن تتصل بهم في حالة حدوث أي مكروه له، لأنه يعلم أنهم سيأتون على وجه السرعة للاهتمام بها، لم تود سماع المزيد بل ألقت بنفسها في حضن أبيها تبكي وتطلب منه أن لا يتخلى عنها، فالحياة من دونه لن تروق لها ولن تشعر بطعم مذاقها الذي سيصبح مرا عند غيابه.
هدأ من روعها قائلا:
ابنتي إنها سنة الحياة فما عاش أحدا فيها معمرا.
ردت عليه إيزلا باكية:
أعلم ذلك أبي لكن سأصبح وحيدة إن أصابك مكروه وتركتني وحيدة لا مؤنس لي، أخاف من الغد وما يخبئه لي ومن مواجهة معترك الحياة، وأنا التي عشت دون أن أحتك بالناس.
أجابها أبوها مطمئنا:
لا تخافي ابنتي، فوصيتي هذه ستحميك من بعد موتي فقط اذكري أباك بكل خير.
نهضت متجهة نحو المطبخ وحضرت لأبيها عصيرا ليقوي بدنه بعد أن ساعدته حتى صعد غرفته ونام على سريره، أما هي فقد بقيت بجانبه على كرسي جالسة حتى أخذها النوم إلى عالم اللاوعي لينقذها من حزن طرق قلبَها.
