ذكريات مغتربة

You are currently viewing ذكريات مغتربة
ذكريات مغتربة

نزعت حياة معطفها بعد أن ولجت بيتها، لتعلقه على المشجب. أزاحت الستار عن نافذتها وبدأت بالتأمل ،كان الجو باردا والسماء يملأها ضباب كثير والأرض يكسوها بياض ناصع. مازالت لم تعتد على هذا الجو الذي لا يحتمل، لم تنتظر طويلا دخلت للتو إلى الحمام لتملأ نصف الحوض بالماء الساخن، حتى تغطي جسدها المرتعش بالبرد لعلها تشعر بالدفء قليلا.

سرحت بخيالها إلى وطنها الأم الذي تركته ليس كثيرا رفقة زوجها أو منقذها كما قيل لها. كان أول من طرق بابها لم تعترض عليه،  لأن الفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة هذا ما لقنوها منذ إدراكها للحياة. كيف سترفضه ؟ وهو ميسور الحال سيأخذها لجنة الفردوس، حتى أهلها كانوا أول المرحبين به أكيد النقوذ أعمت بصيرتهم. فلم يسألوا عن أخلاقه ولا مبادئه كل ذلك تم ضربه عرض الحائط.

نزلت دموعها مالحة لتمتزج بماء الحوض، باءت محاولتها بالفشل فخرجت منه، وهي منكسرة لترتدي ملابسها وفي قلبها حسرة على شبابها المغتصب. مازال جسمها يرتعش بردا ربما مشاعرها المضطربة ما زادتها ارتعاشا. قصدت مطبخها لتحضر فنجان قهوتها الساخنة، ربما ستدفئها ولو قليلا.

وقفت ثانية تتأمل عبر زجاج نافذتها وهي ترتشف قهوتها ذهب خيالها مرة أخرى إلى طليقها الذي أذاقها المر والعذاب. فهو لم يعمر معها طويلا حين أحضرها لبلاد المهجر. كانت أيام سعادتها تعد على رؤوس الأصابع لم يدم زيفه طويلا ليظهر على حقيقته.

الآن تجربتها الفاشلة جعلتها تحتاط من أي رجل يحاول الاقتراب منها. لم تعد تشعر بالأمان بعدما عاشت أقسى الأيام مع طليقها، الذي اكتشف أنه عاشق السهر والنساء. وكأن القولة التي صيغت عن الرجل أنه صياد بطبعه، قد ترسخت عندها حتى نفرت من الرجال. نسيت أن ذلك لا ينطبق إلا عند الذين لايعترفون بفضل الله فكيف له أن يعترف بفضلها عليه.

الآن حياة تعيش حياة بدون أمل، وسط عزلة مفروضة لم تعرف لحظات السعادة سوى أيام قليلة، لتمتد لحظات الأسى الطويلة. فتحيا الخريف وهي مازالت في ربيعها.

ثمة أشياء ستتخذ مكانا بجدار ذاكرتها لتسكن فيه. سترافقها دوما لتذكرها بخطئها الذي لن تكرره هذا، إلى جانب غربتها التي ستظل تعاني منها ليكسرها الحنين رغما عنها، وكلها شوقا ولهفة لوطنها الأم، الذي لن تتمكن من الرجوع إليه. وإن قدر لها وعادت فستشعر بالغربة وهي بين أهلها.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً