لم أدر لماذا قمت باكرا هذا الصباح رغم أني لم أستوف من النوم مااعتدت عليه عند مضجعي، ربما الأفكار المتداخلة تشغل الانسان وهو في غياب عن الصخب، أقوم على مايشغل بالي وكأني بت أفك شفرات الألوان المتضاربة، نهضت من الفراش ولم يتنفس الصبح بعد ، السكون يعم الفضاء الا من طيور تفد الى أشجار الحديقة في خجل، تشقشق في حنو بالغ، وخشخشات أرجل متقطعة تتداعى الى سمعي ثم تتلاشى، ربما هم البسطاء الذين تكلم عنهم الراحل محمد الماغوط فقال: ينهض التعساء باكرا حتى لا يسبقهم الناس الى العذاب.
حلقت ذقني سريعا وكأني على موعد مع سفر، فتحت نافذة غرفتي، لامس نسيم الصباح البارد محياي فأرداني نشيطا خفيف الظل، شغلت مقاطع النقشبندي من هاتفي المحمول، ولجت المطبخ أوقدت نارا لإعداد قهوة الصباح، بعد حين رأيت المعشوقة السوداء تتراقص طربا أم غما، لا أدري، مادريته أن النار المشتعلة في هدوء هي وراء كل شيء، فلكل مفردات الحياة وراءها نار، بل هي نار في حد ذاتها، الحياة نار، والعشق نار، والتضحية نار، والهدوء نار، والصمت نار، والهمة نار، والضغينة نار، واليأس نار، والإحباط نار.
استويت جالسا أتصفح كتاب الحكمة الضائعة لعبد الستار ابراهيم، إن للكتاب سحر، ملامسته سحر ورائحته القابعة بين صفحاته سحر بل القراءة في كتاب نار هي أيضا.
أذن وقت الخروج من بيتي بالحلول، غيرت ملابسي، أودعت الهاتف المحمول في جيب سروال الأيمن والمفاتيح والنقود في الأيسر، كان هناك مايشغلني لكنه مبهم لا أستطيع استباحة حماه، تجاهلت الأمر بداية، عندما فتحت الباب لأغادر مترجلا، تساءلت هامسا:
ـ ” لماذا سأخرج الآن ؟ ماهذا الأمر الذي يأخذني لقضائه؟ “، لم أجد لسؤالي العابر جوابا، أوصدت الباب، رجعت الى غرفتي، غيرت ملابسي، استويت على أريكة خشبية قديمة، تناولت الكتاب نفسه وواصلت القراءة هذه المرة في سكينة بالغة.
في كثير من الأحيان لا ندري لماذا نقوم بسلوكات غامضة لا نفهم دواعيها، نقوم بها هكذا فقط، ولذلك لا نعي ماذا نريد تحديدا.
من غرائب الصدف أني وجدت مؤلف الكتاب يقول: ” إن الضغط النفسي وان لم يكن مرضا، يمهد للإصابة بكثير من الاضطرابات الصحية بجانبيها النفسي والبدني “.
بقي أمر واحد يحيرني وهو متى نختلي بأنفسنا حتى يتبين لنا خيط المرض من خيط الاضطراب من صخب الحياة التي نشقى لأجلها.
القاص جمال عتو المغرب