اليتيمة – الجزء (12) – معاناة ماريا

You are currently viewing اليتيمة – الجزء (12) – معاناة ماريا
اليتيمة سنوهويت

مرَّ هذا النهار بطيئًا، كنت أستعجله ليأتي الليل لعلَّ جاك يهاتفني فيه، ربما كان متعبًا البارحة بسبب السفر أو لأمور لا أعلمها، فالغائب معه حجته كما تقول لي صوفي.

نفس الروتين قضيته، لم أعد أريد النظر من الشرفة أثناء العمل فهي تذكرني بحبيبي عندما كان يتخذ له مقعدًا هناك لينتظرني، كل شيء مضى ما بقيت لي سوى ذكريات أعيش عليها.

أنهينا عملنا استعدادًا للخروج، مررت بعدها مباشرة على ليفيا التي كانت تترقب مجيئي وهي حاملة مظلتها فقد كان المطر يهطل بغزارة، ذكرتني بذلك اليوم الذي فاجأني به جاك بمظلته هو الآخر. كم كان مميزًا عندي عشت فيه أجمل الأوقات.

لاحظت ليفيا حزني وسكوتي فحاولت التخفيف عني طالبة مني أن نذهب إلى أحد المتاجر لأنهم أحضروا أحدث الملابس ولا يجب أن نترك تلك الفرصة، لكنها فوجئت ببرودي فأعادت الكرة قائلة:

   سنو وايت لنذهب للتبضع، فهناك فساتين غاية في الروعة أكيد ستروق لك عزيزتي.

ليفيا ليست لدي رغبة لنترك ذلك ليوم آخر ألا ترين أن الجو لن يساعدنا على التجول؟

ولكنك كنت تحبين ذلك.. أرجو أن لا يستمر حزنك، عيشي لحظاتك وحاولي نسيان ما قد يدمر نفسيتك.

حاضر ولكن كيف لي أن أنسى من سكن فؤادي؟

أخبرك أمرًا واتخذيه عبرة في حياتك، هو الإنسان إذا ترك ما يتمناه ولم يعد يعره اهتمامًا فأكيد سيحصل عليه، فالدنيا تسير عكس تيارنا ورغباتنا.

قد يكون معك حق ولكن ما يقلقني هو أن يكون شيئًا ما  قد حدث لجاك وأنا لا أدري، ريد فقط الاطمئنان عليه وعلى أحواله.

سوف يكلمك سنو وايت، طال الزمن أو قصر ما دام قد أحبك.

أتمنى ذلك من قلبي، فأنا لن أستطيع العيش من دونه لقد أصبح الهواء الذي أتنفسه.

ظللنا نتكلم ونستفسر عن غياب جاك ونحن نحاول أن نخلق عذرًا لذلك حتى وصلنا إلى بيتي، ودعتني ليفيا متمنية لي الهدوء والسعادة. هي صديقة مميزة أجدها في الأوقات الصعبة، تظل تساندني بكل إخلاص ومودة. دلفت داخل بيتنا لأجد أمي وصوفي على المائدة تحتسيان القهوة.

تذكرت جاك حين كان يشربها معنا، تبًا! لماذا كل حدث مشابه أو مكان ما يذكرني به؟ أنا أريد لذاكرتي أن تتحرر، أشعر وكأنني أصبحت مقيدة بكم من الذكريات التي ترسخت لدي وباتت لا ترحمني، تمر أمامي كشريط فيلم مما يزيد من معاناتي، كم تمنيت أن تعود تلك الأحداث أو أن أعيشها مرة أخرى!

أهلًا ماما اشتقت إليك وإلى صوفي كيف حالكما؟

بخير ابنتي ما دمت أنت كذلك، لدي خبر لك أكيد سيسعدك.

قفزت من مكاني أستعجل ماما لكي تخبرني.

ما هو بسرعة؟ هل من جاك؟

ليس منه سنو وايت، بل من ألفريدو سأل عنا وقال أنه سيأتي في عطلته القادمة فقد اشتاق إلينا.

سعيدة بقدومه، أخيرًا تذكر أن له أهل ظننتك ستخبرنني شيئًا عن جاك.

لا تحزني فسيتحدث معك اليوم ربما كان متعبًا من السفر البارحة.

أتمنى ذلك المهم طابت ليلتكما سأصعد لأرتاح.

قبلتهما وصعدت إلى غرفتي، تمددت على سريري الذي يشعر بما أحمله الآن من الألم. هو الوحيد الذي يعرف لحظة سعادتي وحزني، فيحتضنني بصمت ليخفف عني أوجاعي وما جرعتني إياه الأقدار، أخذت القيثارة وبدأت بعزف لحن أبي الذي عشت دومًا أردده حين أكون حزينة، أختلي بنفسي ومعي قيثارتي.

ظللت أنتظر وعيناي على هاتفي لعلي أسمع رنة منه لكن دون جدوى خاب أملي، كيف لقلبه أن يطاوعه لينساني؟ بل وينسى تلك اللحظات الجميلة التي قضيناها! أين وعده لي! مجرد كلمات ذهبت مع مهب الريح.

لم أعد أحتمل ذلك الانتظار المميت وكأنني أتسول منه مكالمة، تبًا لهذا الحب الذي ينقص من كرامتنا ويجعلنا ضعفاء. سوف أحاول أن أقوِّي شخصيتي حتى لا أؤذي نفسي أكثر، أطفأت النور لأنام وإذا بي أسمع طرقات على الباب.

كانت أمي قد شعرت بتوتري وحزني فأرادت الاطمئنان علي.

ما بال طفلتي لم تنم بعد؟ حبيبتي لا تفكري كثيرًا فجاك إن كان يحبك سيبحث عنك.

نعم ماما معك حق سأحاول أن أنسى الأمر وأعيش حياتي كالسابق؛ فقد تعبت من معاناتي حتى أن كل شيء لم يعد يشعرني بالسعادة وأنا التي كنت مفعمة بالحيوية والأمل.

الحياة ما زالت أمامك وأيضا الأشخاص هم كثر من سوف تتعرفين عليهم، فقد يؤلمك أحدهم اليوم وقد يسعدك الآخر غدًا؛  لذا لا تيأسي وجربي حظك عدة مرات حتى تنالي غايتك.

بقيت معي أمي تواسيني وتخفف عني، كلامها كان منطقيًا وعلى صواب وهو ما يجب العمل به لكن العاطفة تغلب علي، وأنا متأكدة أنني لن أنفك عن حب جاك فقد استولى على قلبي ومن المحال أن أحب غيره.

نمت وبالي معه تمنيت أن أعرف سبب كل ذلك الغياب، وفي الوقت ذاته كلي خوف أن يكون قد أصابه شر، لكن حتمًا الأيام سوف تكشف لي ما عجزت أنا التوصل إليه.

 

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً