اليتيمة – الجزء (8) – في مدينة الملاهي

You are currently viewing اليتيمة – الجزء (8) – في مدينة الملاهي
اليتيمة سنوهويت

مرت باقي أيام الأسبوع بسرعة، كان جاك ينتظرني فيها كل مساء عند خروجي من العمل ليوصلني إلى البيت، وفى الغالب كان يدخل ليحتسي معنا الشاي حتى اعتادت عليه أمي وصوفي لمعاملته الطيبة وحديثه الشيق. أحيانًا كنت أناوله قيثارة أبي ليعزف عليها فنطرب كلنا لسماعه.

جاء موعد خروجنا، اتفقنا على أن يكون ذلك في الصباح الباكر حتى نستغل كل الوقت، استيقظت مُبكرًا وبدأت بتحضير نفسي. كان يومًا مشرقًا جميلًا، فجو لندن غالبًا ما يكون كئيبًا شمسه لا تظهر إلا في الصيف.

نظرت في المرآة لأرى كيف أبدو بمكياج خفيف، ارتديت سروالًا مع كنزة وانتعلت حذاءً رياضيًا. أخيرًا.. أخذت حقيبتي وهبطتُ السلالم بسرعة كعادتي، فعصافير بطني تزقزق من الجوع. وجدت صوفي وأمي على المائدة قبلتهما وما إن أردت الجلوس حتى سمعت رنة جرس الباب.

ذهبت مسرعة لأفتح الباب، بدا لي جاك وسيمًا مع عطره الذي ملأ البيت وهندامه المتناسق، دعوته للفطور فانضم إلينا، لقد بتنا نعتبره كفرد من أفراد الأسرة. جهزتُ له كوبًا من القهوة بينما أمي بدأت تحكي له كيف قضت حياتها مع أبي كعادتها وهو مصغ لها دون أن يملَّ. المسكينة تعيش على ذكراه،  فقد كان حبها الذي لن تنساه ولم تجده في أحد غيره.

أنهينا فطورنا وخرجنا بعد أن ودعنا أمي وصوفي، أطبق علي بذراعه بكل حب ولهفة، تجولنا باتجاه سيارته ففتح لي الباب جلست وأنا سعيدة كل السعادة به. جاك جاء ليملأ حياتي، فقد اكتفيت به عن الجميع؛ لأني وجدت فيه كل ما كنت أبحث عنه. نعم جاء ليرى حزن الأشياء وهي بداخلي ليبدلها أملًا وحبًا فيغير مجرى حياتي.

أخذنا طريقنا باتجاه مدينة الملاهي بعد أن شغل لي الموسيقى المفضلة الخاصة بي، يعرف أنني أحبها هادئة، ذوقنا لم يختلف كان مثل بعض، لم تكن المدينة تبعد كثيرًا عنا، تقريبًا كيلومتر بضواحي لندن؛ لذا لم نشعر حتى وصلنا في الحال أوقف سيارته داخل مرآب.

ترجلنا باتجاه الملاهي، لقد كانت مليئة بالسياح من كل صوب أتوها للاستمتاع بعطلهم في نهاية الأسبوع.

وقع اختيارنا على القطار السريع أخذت مكاني جانبه، انطلق القطار وصدى الصرخات المفزعة تسمع في الفضاء مدوية مع الهبوط والصعود، حينها التصقت به خوفًا من السقوط رغم الاحتياطات المستعملة، لدرجة أنني أتشبت بملابسه، شعور داخلي انتابني اتجاه جاك لأنه أصبح بالنسبة لي كل شيء في حياتي، هو أبي وأخي الذي يخاف علي من السقوط.

مغامرتنا هذه في القطار السريع أشبعت رغبتنا في خوض المخاطر ونحن مستمتعون، شعرت بالجوع التفت إليه قائلة:

– جاك عصافير بطني تناديني لنقصد أي مطعم هنا نتناول فيه غداءنا.

– حاضر حبيبتي في الحال، فكم من سنو وايت عندي!

اخترنا مطعمًا يرتاده معظم السياح، تناولنا الغداء فيه واستمتعنا بلحظاتنا، كما التقطنا صورًا هنا وهناك إلى أن شعرنا بالتعب، وبدأت الشمس بالمغيب معلنة عن قدوم الليل.

ركبنا السيارة استعدادًا للعودة، وفي الطريق راق لي منظر البحر عند غروب الشمس، كم يبدو رائعًا ودون أن أشعر صرخت قائلة:

– جاك أوقف هنا أريد التمتع بجمال البحر حبيبي.

– على مهلك سنو وايت أفزعتِني! ظننت أنك رأيت شبحَا. حاضر حبيبتي في الحال. أنا أيضًا يروق لي ذلك كثيرًا.

أوقف سيارته ومشينا بعدها، هرولتُ نحو الشاطئ وهو ورائي إلى أن وصلنا، كم هو جميل منظر البحر يسلب الروح وأنت ترى أمواجه المتلاطمة بين مدٍّ وجزر. فمده يصب على الشاطئ كمية غضب ليتنفس الصعداء ويتراجع عند الجزر وهو راضٍ. أخذني جاك بين ذراعيه كالبحر ليصب في كل أشواقه ويلتهم مني حتى يرتوي.

لعبنا وجرينا على الشاطئ، كنت أرشه بالماء وهو كذلك حتى تبللنا. لقد عشنا تلقائيتنا بكل حرية دون أن نتقيد بشيء، ولما أخذ منا التعب كثيرًا عدنا أدراجنا إلى السيارة، لم تمر نصف ساعة حتى وصلنا إلى البيت، ضحكت علينا صوفي؛ فقد رأتنا مبللين كما سعدت لسعادتنا.

ودَّعت جاك ليذهب إلى فندقه المجاور لبيتنا بينما أنا صعدت لأستحم وأغير ملابسي استعدادًا لنومٍ هادئ. نمت هذه الليلة مطمئنة النفس بعد أن حكيت لأبي كل ما حدث وأغمضت عيني لأستقبل يومًا آخر لا أعرف ما يخبئه لي، هل ستدوم لحظات السعادة؟ أم ستكون هناك مفاجآت؟

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً