اليتيمة – الجزء (21) – مكالمة جاك

You are currently viewing اليتيمة – الجزء (21) – مكالمة جاك
اليتيمة سنوهويت

عادت إلي ابتسامتي بعد أن أضعتها أيامًا، عشتُ لحظات فيها حزينة، كنت أتوق أن تمضي أوقاتها سريعة حتى لا يراق دم ذكرياتي في ساحة الحنين. الآن بت أعشق الرجوع إلى كل ذكرى قضيتها مع جاك واستعراض أحداثها، فقد عادت صورة حبيبي الحقيقية كما عهدتها.

وبينما أنا في عملي أنجز ملفًا هامًا أراده المدير رن هاتفي، نظرت لأجد اسم جاك هو المتصل قفزت من هول المفاجأة، أمسكت نفسي وقررت أن تكون مكالمتي معه جافة، فكم تسبب في وجعي ومعاناتي.

ألو.. نعم سيدي، هل من خدمة؟

سنو وايت، أظنك عرفتني ماذا حدث لك حتى تنكريني؟

أرجو أن تكلمني باحترام وتناديني باسمي الحقيقي، المهم لن أطيل معك فلدي أشغال عالقة.

لم أتركه يتابع الكلام، أغلقت بعدها الخط في وجهه وقلبي يتمزق، لكن لم يكن لدي بديلٌ، أريد أن أثأر لنفسي ولكرامتي التي أهدرت، بل لأيام عشتها في معاناة بسبب خيانته لي.

كنت على وشك التراجع ومسامحته فقد أشفقت عليه ولا أريده أن يذوق ما ذقت أنا، لكن كلما تذكرت عذابي صمدت لأبقي نفسي على القرار الذي اتخذته، سأجعله يعيش معاناتي ولن أسامحه حتى يأتيني نادمًا ويركع جاثيًا على ركبتيه.

أنهيت عملي ومررت على ليفيا، لاحظت تغيير ملامحي، فسألتني عن السبب ولم أخفِ عليها فهي أختي وصديقتي وكل شيء، لم تستغرب الأمر. تعرف إنه سيبحث عني ما دام قد أعاد الملف لأخي هذا ما أخبرتني إياه، حتى أنا كان لدي إحساس بذلك؛ لأنني متأكدة من حبه لي، فحبنا محالٌ أن ينسى وقد كتبناه ونقشناه مع بعضنا على قلوبنا.

تجولت مع ليفيا على المتاجر لنرى الجديد من الملابس، أردت أن أعود إلى ماريا فقد اشتقت إلى ذاتي التي باتت غريبة عني، فما وقع لي من أحداث جعلني أقف في منتصف الطريق لا أنا عدت لنفسي ولا أنا تقمصت ذاتًا أخرى حتى تهت عن الطريق، فليس هناك أصعب من الضياع حين تظل تائهًا بين دروب مختلفة وأنت لم تصل إلى دربك الحقيقي.

تعبنا من التجوال، اقتنيت أشياءً دون رغبة. المهم أشبعت نفسي المتلهفة حتى أرضيها وكذلك فعلت ليفيا، فقد أخذت مني العادة دون أن تشعر، عدنا إلى البيت لنجدهم مجتمعين حول المدفأة؛ فالجو ممطر، والطقس بارد، وزخات المطر تتساقط دون توقف. لقد  كانت كل قطرة ماء تهطل من السماء توقظ في قلبي الحنين لجاك ولقبلاته، بل وإلى عطره الذي ما زالت رائحته تتبعني.

جلست مع أسرتي لنستمتع بهذا المساء ونحتسي فنجان قهوة سويًّا، اقترب جون إلي كالعادة، خُضنا في كل شيء وفي اللاشيء، نضحك لأتفه الأسباب إلى أن طلب مني جون الخروج معه غدًا. هو لم يكن ليفعل بهذه السرعة، فهو دائمًا يراني ولكنه يود التقرب إلي أكثر وامتلاك قلبي ليوقعني في شباكه قبل أن يظهر له شبح جاك ويأخذني منه.

كم هو مخطئٌ جون؛ لأنه لا يعلم أن قلبي قد امتلك ولم يعد لي، وأنا إن وافقت على مرافقته والخروج معه فما ذلك سوى ثأرٍ لنفسي وهروبٍ من حبٍّ عذبني. قضينا وقتًا ممتعًا، ضحكنا فيه ونسينا أحزاننا، استأذنتهم للخلود إلى النوم. كعادتي أعشق أن أعطي لذاتي حقها في الانفراد بنفسها، تسللت تحت غطائي بعد أن قبلت صورة أبي التي لا أنساها، وما إن هممت بإطفاء النور حتى رن هاتفي مرة أخرى.

لقد كان جاك يا إلهي ماذا يريد في هذا الوقت مني؟

ألو.. نعم، ماذا تريد؟ أظنه ليس وقتًا مناسبًا للاتصال.

أود أن تسامحيني؛ فأنا فعلًا أحبك ولا أستطيع الاستغناء عنك حبيبتي.

أرجوك لا تقل حبيبتي؛ فالحبيبة لا يفعل بها ما فعلت لقد جعلت حياتي جحيمًا.

أعرف أني أخطأت في حقك كثيرًا ولقد تداركت الأمر وأعدت لأخيك الملف رغم أن ذلك قد كلفني خسائر، فأنت لا تفهمين ما الذي بيننا، وهناك حسابات كانت بيني وبين أخيك ولست أنا المذنب فقط.

لا أريد أن أسمع أكثر، المهم لم يكن سهلًا علي التعرض لتلك الصدمة؛ لذا لن أغفر لك بسهولة.. الآن أعتذر فالنعاس قد غلبني.

أغلقت الخط في وجهه وقلبي يتألم، لكن كان لا بد أن أعامله هكذا حتى أسترجع بعضًا مني، فما أخطأت يومًا في حقه. لقد لجأت إليه وإلى قلبه  لأتوسد حنين همساته راغبة في جرعة حنان منه، لقد كان كل جزء مني متعطشًا إليه، لكن هو ما قدر تلك المشاعر حين أعمته الحياة فجأة. مؤكد سأعلمه قيمتها وأنها أغلى من كنوز الدنيا.

تلك الليلة لم يغمض لي جفنٌ، يظهر أن الأرق سيصاحبني ويؤرقني، اللعنة عليهَ  سيستحضر أمامي كل الأحداث التي مرت ويصور لي ما سيأتي، ورغم كل شيء فما دام الحب عاد إلي تائبًا سأسامحه بعد أن ألقنَّه على أن يعطيني إقامة جبرية لا تجوال خارج مجرتنا إلا إذا عاكستنا الظروف وكانت أقوى منا لتخترقنا.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً