فتحت عيني على نور الصباحِ وقد تسللَ من الشرفة معلنًا على قدوم يومٍ جديدٍ لا أعلم ما سيحمله من أحداث، ما أعرفه أن أخي ألفريدو بعد ساعات سيكون بيننا، أتمنى أن أعود مبكرًا من عملي قبل وصوله.
رفعت غطائي بتكاسل وقد فرح هذا الأخير باستقالته عني، بعدها أخذت حمامي وارتديت مسرعة كما وضعت مكياجًا خفيفًا لأغطي به حزني الدفين وملامحي التي شحبت من كثرة التخمين، قررت أن لا أفكر، بل أترك كل شيء يمشي كما أرادت له الحياة، هبطتُ السلالم بسرعة معلنةً ضجة حتى سمعت ضحكة صوفي وهي تقول:
هذه هي سنو وايت، الفتاة المرحة النشيطة، أخيرًا عادت إلينا، هيا لتناولي فطورك معنا عزيزتي.
خالتي اشتقت إلى خبزك المحمص، أين هي قهوتي الساخنة؟
ما بال صغيرتي جائعة أين كنت؟ حالًا سأحضر لك القهوة المفضلة لديك.
لا أعرف من دونك كيف سأعيش؟ بالمناسبة أين هي ماما؟
أنا آتية ابنتي لأفطر معكما، سنو وايت أخيرًا عدت إلى طبيعتك هذا ما كان يجب أن تفعليه منذ مدة.
كل شيء بأوانه أمي، المهم أنني فكرت جيدًا ووجدت أن الحزن وكثرة التخمين لن يجديا نفعًا.
فعلًا حبيبتي المهم تناولي بسرعة حتى لا تتأخري عن عملك.
حاضر ماما لا تخافي علي، أتمنى أن أعود قبل وصول أخي حتى أعد معكم وجبة العشاء.
قبَّلتُ أمي وصوفي ومشيت بخطًى سريعة للعمل إلى أن وصلت لأسترسل في عملي كالمعتاد، أملي الآن أن تعود ماريا كما كانت الفتاة المحبة لعملها ولكل من حولها وإلى متابعة أحدث تصميمات الملابس، لن أفكر في الحب أو التعلق بأحد، فقلبي قد ملكه واحد ومحال أن يترك مكانه لشخص آخر.
لم أشعر بالساعات كيف مرت إلى أن حان وقت الخروج، مررت على ليفيا لنذهب سويا إلى البيت، لقد كانت متلهفة لرؤية ألفريدو فهو من أحبته منذ زمن إلى يومنا هذا، ارتدت لأجله أجمل ما عندها والعطر الذي استعملته غمر المكان.
صوفي أراك متشوقة لألفريدو تبدين جميلة وأنيقة، متأكدة أن أخي سيغرم بك عزيزتي فأنت فاتنة.
أشكرك سنو وايت، لن أكون أكثر منك جمالًا وجاذبية، المهم أن ينظر إلى هذه المرة فقد سئمت من عدم مبالاته.
لا تقولي ذلك، أعرف ألفريدو متكبرًا لا يحب أن يتنازل ليعترف إليك، ربما ينتظر منك المبادرة فلتحاولي إغراءه.
هذه المرة لن يفلت من قبضتي وسأوقعه في شباكي فقد سئمت الانتظار.
قصدنا معًا بيتنا وكلنا رغبة إلى تقصي الخبر واللقاء بألفريدو، هذه المرة أسرعنا الخطى وكأن أحدهم يلاحقنا حتى وصلنا إلى المنزل، دخلنا متشوقتان لنجد ألفريدو مستلقٍ على الأريكة بجانب ماما ومعه ضيف جديد، تراه لماذا أحضر معه ذاك الضيف؟
هرولت نحو أخي، فأخذني في حضنه، بقيت كثيرًا، فأنا أشم فيه رائحة أبي وأشعر بالأمان وهو معي، ليته يظل معنا ولا يفكر في هجراننا، فالحياة لا تستحق أن يهجرنا الأحباب دومًا ما نرغبه يصعب الحصول عليه، مددت يدي إلى صديقه فصافحني وقد أمسك بها كثيرًا ونظراته مركزة نحوي إلى أن سحبت منه يدي بهدوء وابتعدت عنه، لم أعد أطق رجلًا آخر، أريد أن أعيش لنفسي، وأن أشعر بالحرية مع ذاتي ليظل فكري خالي لا يحمل همًّا.
حضَّرت لنا صوفي مائدة العشاء على شرف أخي ألفريدو كما انضمت إلينا ليفيا التي اختارت الجلوس بجانب جاك، فطول الوقت ظلت تتحدث معه دون انقطاع بينما صديقه المسمى (جون) كان كل مرة يسترق النظر إلي كلما سنحت له الفرصة، تمنيت أن أنسحب لكن لأجل أخي بقيت.
سألت أخي عن ملفه هل وجده في غرفته؟ وكم كانت مفاجأتي وهو يقول لي أنه ضاع ولم يعثر له على مكان، وفقده لذلك الملف تسبب له في خسارة مالية فادحة تلزمه سنوات حتى يسترجع أمواله، أريته صورة جاك فأطلق تنهيدة عميقة وتأكد من أخذه إياه، فجاك كان منافسًا له في السوق، لم أتحمل سماع المزيد، لقد غلبتني دموعي وبدأت تتساقط من عيني كنهر جارٍ.
إذًا جاك فعل كل ذلك للحصول على الملف، فهو لم يسرق الأوراق فقط بل سلب معها مشاعري التي لا تقدر بثمن، لم أستطع تمالك نفسي فاستأذنتهم وصعدت إلى غرفتي لأختلي بنفسي وأطلق العناء للبكاء؛ لعل صدري يرتاح مما يحمله من الألم والوجع.
ما أخشاه أن تقع مشادة بين أخي وجاك ويحدث ما لا يحمد عقباه، أكيد أخي لن يهدأ له بال حتى يسترجع ما ضاع منه، وما زاد في ألمي حين أتذكر جاك ونظراته البريئة لم أكن أشك لحظة في حبه، كيف لي أن أخدع بكل سهولة؟
غيرت ملابسي وتسللت تحت غطائي هروبًا من واقعي، أريد أن أنام لأنفصل عن وجودي ولو ساعات فأعيشها في اللاشعور، ربما في ذاك العالم قد تكون هناك فضيلة.
ثم أخذت صورة أبي فشعرت كأنه قد سمع شكواي وعاش مأساتي لم يبدو لي سعيدًا، قبّلتُه لأطفأ النور وأهرب إلى اللاوعي لعل فكري يرتاح مني.