اليتيمة – الجزء ( 1 ) – روتين ماريا اليومي

You are currently viewing اليتيمة – الجزء ( 1 ) – روتين ماريا اليومي
اليتيمة سنوهويت

أنا الآن جالسة مع أمي وأبي في حديقة بيتنا، نستمتع بهدوء مساءٍ جميلٍ، كلُّ ما فيه يبعث على ارتياح النفس.
أبي كان يعزف لحنًا جميلًا على قيثارته التي لا تفارقه حيثما حل أو ارتحل، وأمي جالسة وعيناها تحدقان في قصة بين يديها، أما أنا فمنشغلة باحتساء فنجان قهوة وأذني تطرب للحن أبي الشجي والممتع.

فجأة.. سمعتُ رناتٍ متتاليةً أقلقت راحتي وأفسدت متعتي، استيقظت مذعورة وأنا ألعن تلك الرنات، التفت أبحث عن مصدر الصوت لأجده هاتفي.
اللعنة عليه أيقظني من حلمي الجميل الذي تمنيته دائمًا أن يكون حقيقة! أن أعيش بين أحضان أبي وأمي كأسرة متكاملة متحابة، حتى الحلم لم يكتمل؛ عاكسني الحظ فيه بتلك الرنات.

يا ليتني بقيت نائمة أحلم طوال حياتي كأهل الكهف، فلست بحاجة لأن أفتح عيني على واقع مرير.

سمعت صوت أمي وهي تناديني: «لقد تأخرتِ».
قفزتُ من فراشي، أسرعتُ إلى الحمام، غسلتُ وجهي بسرعةٍ، فتحتُ دولابي لأختار فستانًا ليومٍ آخر، وقع اختياري على فستانٍ جميلٍ بنفسجيّ اللونِ؛ لبسته. سرحت شعري الطويل الكستنائي وأسدلته على كتفي، رششت رشتين من عطري المفضل، ثم وضعت مكياجًا خفيفًا يناسبُ ملامحي الحادة.

أنا فتاةٌ عشرينية ذات بشرة بيضاء كالثلج؛ لذا ينادونني بسنو وايت؛ عينان واسعتان عسليتان، وحاجبان عريضان جميلان، فم كالخاتم، تعلو وجنتاي الحمرة كلّما خجلت من موقف أو وأنا أتسكع بين شوارع لندن الباردة.

سمعت نداء أمي مرة أخرى وهي تنادي:

ماريا أين أنتِ؟ لقد تأخرت يا ابنتي عن عملك، الفطور على المائدة.

حاضر أمي، أنا آتية بسرعة.

ترجلت السلالم وكأن أحدًا يطاردني إلى أن وصلت إلى غرفة الطعام؛ حيث كانت رائحة قهوتي تنبعث من فنجاني، أغرتني إلى الجلوس بسرعة واحتساء رشفة منها، سمعت أمي توبخني قائلة:

ماريا لن تتغيري، خذي قطعة خبز مع الجبن أولًا.

حاضر أمي، أعرف كلامك؛ لتأكلي جيدًا حتى لا تمرضي، حفظت الأسطوانة.

تناولت فطوري بسرعة، طبعت قبلة على خدِّ أمي لأتجهُ صوب الباب، لكني سمعتها تطلب مني أن أرتدي جاكيت خفيفًا ناولته إياي مساعدتنا المحبوبة (صوفي)، لبسته بسرعة وأقفلت الباب ورائي متجهة إلى العمل.

لم يكن مكان عملي بعيدًا عن البيت؛ لذا كنت أفضل الذهاب إليه مترجلة وأنا مستمتعة بمشاهدة المتاجر بين شوارع لندن الرائعة.

أنا فتاة مهووسة بالملابس، أتابع آخر صيحات الموضة وأنواع العطور التي أعشقها، أتأمل ذلك يوميًا وأنا سائرة أردد لحن أبي الذي أسمع أمي تنشده دومًا.

وصلت إلى حيث عملي في بناية تضم شركات مختلفة، أعمل كمحاسبة لشركة سياحة مديرها يتسم بالحزم والصرامة، لا يتساهل معي إن تأخرت ولو دقيقة.

ألقيت التحية على زملائي في العمل، ودخلت بسرعة إلى مكتبي الذي كان يطل على أحد متاجر الملابس، تخلصت من جاكيتتي بعد أن علقتها على المشجب.

أخرَجتُ من الدرج ملفَ البارحة لأكمله، لم أشعر بالوقت إلى أن رن الهاتف، المدير طلبني، أسرعت الخطى إليه، سألني عن الملف، أجبته دقائق وسيكون عنده، ألحَّ علي أن أسرع.

عدتُ إلى مكتبي وقررت أن أتابع العمل وأن لا أفكر في الجوع رغم أن عصافير بطني بدأت تزقزق، حاولت تجاهلها. مضى وقتٌ دون أن أشعر حتى أنهيت ما عليَّ، طرقت الباب دقات خفيفة، أذن لي بالدخول وسلمته الملف بعد أن شكرني على ذلك.

عدتُ إلى مكتبي حيث وجدت صديقتي (ليفيا) في انتظاري وقد أحضرت سندويتشات لي ولها، أكلنا بنهمٍ لشدة الجوع، وأتبعناه بعصير البرتقال، تبادلنا أطراف الحديث عن العمل وما بقي لنا من ملفات، لنغير الموضوع حول آخر فستان اشترته وما تشتهي شراءه في الأسبوع القادم سألتها:

–        ليفيا ما رأيك أن نخرج معًا في نهاية الأسبوع لتفقد آخر ما يوجد في السوق؟

–        ألم تملِّي من شراء الملابس؟ ماريا دولابك يحوي الكثير سوف يشتكي منك لشدة ما أثقلت عليه.

–        وهل البحر يشبع؟ دولابي مثله يتسع لكل ملابس لندن.

أكملنا العمل كالمعتاد بعد استراحة الغداء إلى أن حان وقت الخروج، لتجد كلُّ واحدةٍ منا وقد أخذنا ما نحتاج يسرع صوب الباب وكأننا كنا في سجن، ألقينا التحية على بعضنا البعض بسرعة وخرجت مع ليفيا ونحن نسرع الخطى بين الشوارع، ودعتها لتكمل هي طريقها بعد أن وصلت منهكة القوى، استلقيت على أريكة بالصالة، وجدت أمي تتابع مسلسلها المفضل، كانت عيناها تحدقان في التلفاز دون أن تشعر بقدومي، لقد أخذتها أكيد أحداث المسلسل.

–        ماما لقد حضرت، ما بالك أين الشاي أريد كوبًا؟

–        اطلبي من صوفي أن تعده لنا فقد كنت أنتظرك لنشربه معًا.

تحلقنا حول المائدة لنحتسي الشاي مع بسكويت وقطع الخبز المحمص اللذيذ مع الزبدة، تناولنا الطعام ونحن نتبادل أطراف الحديث حول أحداث اليوم وكيف كان نهار كل واحدة منا، طبعت قبلة على خدي أمي وصوفي الحنونة لأصعد إلى غرفتي وألقي بنفسي على سريري، هذا الذي يحتويني بكل ما فيَّ من أحزانٍ وأفراحٍ وذكريات وأحلام المستقبل، هو سريري من يحضر على بكائي وألمي.

نمت بعد أن قبلت صورة أبي التي أحرص دائمًا على أن تبقى جانبي لأنام وأستيقظ على رؤيتها، ألقيت عليه التحية وأطفأت النور استعدادًا ليوم آخر.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

هذا المنشور يحتوي على تعليق

  1. Daher

    رووعه مبدعه 🌹

اترك تعليقاً