الحنين للأصل

رحيق السنين مضى وأحمد هناك بعيدا عن أرضه بل وتربتها التي خطا فوقها أولى خطواته، ما كان يعتقد أن يغترب عنها كل ذلك الوقت. اغترابه عنها كان لغرض إتمام دراسته على أمل العودة الى ذاك المكان الذي فتح عينيه عليه، حيث فيه أحس بالوجود وهو في حضنها، تشرب من مائها ونما كنبتة فوقها. تعود على صلابتها. قيظها عند الحر، وقرها عند الشتاء.
لم يتوقع أن تتغير حياته حين هجرها وكأن جزءا منه انتزع، لقد غدا كنبتة اجثت ليُترك جذرها منفصلا.
كم كان يعد السنين كل ليلة قبل أن ينفصل عن عالمه إلى اللاّوعي ليعود الى بلده، ما شعر قط بالانتماء حيث يعيش الآن، خبز أمه ورائحة قهوتها ودفء الأهل كل ذلك ظل يفتقده ليحيا حياة باردة كبرودة تلك الأرض التي يكسوها الثلج والضباب، لم يتوقع أن يرسم له القدر عكس ما رسمه عند بداية طريقه. هم كثيرون من شبهوه اغتربوا لأجل بناء مستقبلهم وفي نيتهم العودة، وما عادوا.
كلما تخيل ذلك شعر بالحسرة وغصة في حلقه، ربما قد حصل على رغد الحياة، وحقق ما كان يطمح إليه لكنه خسر الأصل، بتركه لمنبته دفع ثمنا غاليا. ساير عادات وتقاليد وإِنْ لم يجد نفسه فيها. هي لقمة العيش من كانت السبب، دفّعته ثمن كل ذلك. فلو وفر له من يتولوا أمور بلده كل ما يحتاجه لمتابعة العلم بين أهله، مامشى على تربة أرض غير تربة أرضه. لقد عايش قصصا مؤثرة عن من ابتلعتهم شبح الغربة ولم ترحمهم. فكان هو الآخر منهم ولم يسلم منها.
كم حاول أحمد أن يحافظ على أسرته ويحتضن طفليه اللذين رزقا بهما، واللذان كانا ثمرة كفاحه واغترابه إلا أنّ محاولته باءت بالفشل. كل عطلة كان يسافر الى أرضه ليغرس فيهما حبها ويتعرفا على تقاليد مجتمعهما وديانتهما الأصلية، لكن كل ذلك كان يطير في مهب الريح، حالما يرجعون من سفرهم، لينسيا انتماءهما الحقيقي، وقد انغمسا في عادات وحياة أخرى مخترقين جدار الحدود، حتى غدا يعيشان حياة متفككة، وقد كسا الغموض الطريق ليجدا أنفسهما بين حياتين. كل واحدة في كفة وهما لايدريان أية كفة ستصل بهما الى بر الأمان. من المؤكد ما كان سبب ذلك سوى محاولة عيش في أرض ثمارها غير ثمار شجرتهم الأصلية.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً