السقم

You are currently viewing السقم
السقم

صباح يشهد طقسا قائظا، حركات  الراجلين متكاسلة على رصيف شارع المدينة الطويل، المتسولون لم يستيقظوا بعد لأن أرزاقهم مضمونة، مازالوا مستسلمين لنومهم العميق شأنهم شأن رواد الليل، والبؤساء تعساء يستيقظون باكرا لكي لا يسبقهم الناس إلى العذاب على حد قول الراحل محمد الماغوط.
أخذت مكاني في مقهى قرب عيادة طبيب وصيدلية، أخذته باكرا، فهل انا من التعساء؟ لا أدري، ما أدريه أني شرعت في احتساء قهوتي على وقع خطوات المرضى مرتادي عيادة الطبيب، أعتقد أن الطبيب لن يأتي باكرا، يدرك أن الهلكى في انتظاره، لن يستيقظ باكرا لأنه ليس من التعساء، تصفحت هاتفي، لا شيء يغري بمتابعة الأخبار، لا جديد تحت الشمس، حروب وأطماع وجرائم ومبالغ خيالية لشراء اللاعبين وبرامج العبث، وحده الخبر الذي استفز فضولي، تلميذة نشأت في وضع فقير جدا تحرز أعلى معدل شهادة البكالوريا، صحيح إن النجاح يولد من مخاض الألم المعاناة، جيد، ابتسمت لهذا الخبر، فإذا بامرأة مسنة تدخل المقهى وقد بدا عليها العياء والتعب، أخذت مكانا مقابلا لي، كانت تتمعن في جيدا، اختلست النظر في وجهها مرات متقطعة، ابتسمت لي واستفسرتتي عن والدتي، هكذا، خلت أنها تعرفها وتعرف أني ابنها، أجبتها بأنها بخير، فالتمست مني أن أسدد لها ثمن قهوتها، أدركت بعدها انها لا تعرف عن والدتي شيئا، ربما أنها أرادت التمكن من مشاعري بالسؤال عن والدتي، همست مع نفسي : “ولما هذا العناء أيتها المرأة، يكفي ان تطلبي مني استخلاص ثمن القهوة مباشرة”
أشرت على النادل أن يضيف قهوتها إلى حسابي، احتستها سريعا وغادرت من دون كلام إلى عيادة الطبيب.
كتبت على ورقة :
أعظم خيانة قد نتعرض لها هي خيانة الصحة.
الحياة قصيدة جميلة غجرية فاتنة، لكنها لا تؤمن كثيرا بالود،
الحياة خائنة.
الرحمة.

جمال عتو

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.

اترك تعليقاً