السابعة من صبيحة يوم شتوي ماطرٍ بإمتياز ،إستقلت سيارتها كان الصباح ليس ككل الصباحات ولا السماء ولا وجهها ، أدارت صوت المذياع إنه صوت فيروز المخملي الرقيق ، إستهجنته على غير العادة ، كادت تصرخ أن يتوقف ذلك الصوت وبحركة عبثية ، خنقت ذلك الصوت ، أنها تريد أن تمزق ذلك الحبل الملفوف على عنقها .
دموعها تنسكب على وجنتيها الدافئتين بصمت ، أزاحتها لتتمكن من رؤية الطريق ، لكن تلك الدموع كانت قدإستدعت شلال بكاء حتى أجهشت بصوت المتفجع .
كانت ترفض أن تصدق أن كل شيء قد مات ، كما يموت كل حي ، بعد ليلة قضتها وهي تفتش عن ذاتها وتسألها ؟ أي إمرأة أنا ، المثقفة الرزينة ، أم العاشقة في الخفاء ، أمازلت أرتدي لبوس العفة .
فتشت عن ذاتها في المعابد ..في المقاهي ..في الصوامع ..في الحانات ، هي ضائعة ، أي لعنة سحقتها وهذا الذي يتسلل اليها كل ليل كسرابٍ أوخيال ، وهماً ينفث في روحها ضوء من قناديل قديمة هي تعشقها وتعشق حضوره .
تلك الليلة ما أتاها ذلك الزائر تاهت تفتش عنه ، وتاهت روحها المشردة في زواريب الليل .
عبر الزجاج الأمامي ترقب حبات المطر كانت كل قطرة مطر تروي فصلاً من فصول عمرها الشقي ، كانت عيناها تمطر
حزناً ، كما قطرات المطر على ذلك اللوح الزجاجي ، لحظة تمسح الدمع عن وجهها وتارة أخرى تمسح أثار نفسها الساخن عن اللوح الزجاجي .
فجأة إرتسم وجهه أمامها ، تملكها شعور بأن تصرخ له أن يدركها ، أعادت مسح زجاج النافذة لتراه بوضوح أكثر ، لكن وجهه إختفى في الأفق البعيد .
كانت تريد أن تتمسك بوجهه تحتضنه بكلتا يديها لتسأله أحقاً هو هو من أتاها بصورته وصوته ، ركنت سيارتها جانباً ، نزلت تفتش عنه بأركان المكان لكن عبثاً ، حينها أدركت أن مس من الجنون يجتاجها ، أم أنه عذاب أخذ بيدها لأضغاث أحلام ، ومازلت في مسير تائهٍ ، كل ما أرادت قوله بأن تخبره بأنها ليست بخير…
د.عمر أحمد العلوش/ سوريا