لم يكن هيّنا هذا الوجع ولم أشعر في حياتي بهذا الإنكسار، وأنّ داخلي يتشظّى حتى عندما توفيت أمّي كنت أقوى، كنت أكثر قوة وصلابة وأقوى إيمانا ربّما لأنها كانت مصدر قوّتي وملاذي عندما تهزمني الحياة أو لأني كنت أقتبس من بريق عينيها حبّ الحياة والإصرار على الكفاح، كانت الحضن الذي ألجأ إليه كلّما تعثّرت وكبوت، كان صوتها يبعث فيّ الطمأنينة والأمان، كان صوتا ملائكيا مشبعا رقّة وحنانا وعفوية، كانت تحدٌثني فتطيل الحديث حتّى أغفو فتدثّرني بكل رقّة وهي تردّد مقولتها المعهودة :”كم يحلو لها النوم عند حديثي؟”
فأصحو وابتسم لها وأعود للنوم ثانية غير أنها لا تغضب وتبتسم وكأنها تشجعني على الاستغراق في النوم.
كم حاولت أن أقنع نفسي بأنّها رحلت ولن تعود وأنّها مشيئة الله، وأنّنا كلنا راحلون وأنّ البقاء لله سبحانه وتعالى، لكنّ وجعي لم يبرأ وعيني لم تجفّ ولن أقول ما يغضب الله، رحلت صاحبة القلب الكبير والحضن الدافئ، رحلت وتركت لنا الوجع والشوق لرؤيتها وسماع صوتها. رحلت وبرحيلها عرفت معنى اليتم الذي لم أحسّه بهذا الشكل إلا عندما غادرتني أمي. نعم رحلت فقيدتي ورحل جسدها لكنّ روحها لم تغادرني أيضا دفء حضنها مازلت أستشعره وحنانها وعطفها، فصورتها في كل مكان وصوتها يتردّد على مسمعي في كل الأرجاء…
لطيفة حمدي / تونس