من كان يصدق أن كل من في البيت قد يهجرها يوما لتأخذهم بالغصب لقمة العيش بعيدا عنها، وهي من ضحت لأجل أولادها وترملت صغيرة لتوصلهم إلى بر الأمان، عاشت كوردة متفتحة تنثر عبقها بينهم، ما اعتقدت أن تمر الأيام بل السنين مرور الرياح لتأخذ معها أوراق ربيعها، فتجد نفسها قد غدت وحيدة تقضي أيام خريفها رفقة زهور حديقتها التي تعزي نفسها بها.
كل صباح تنظر من شرفتها إليها مستأنسة بوجودها. وبعطرها الفواح الذي يحيي روحها بعد أن ملأها أملا.
أحبت هند تأملٌ كل ما حواليها مما حباه الله، ففيه تجد نفسها التائهة خصوصا عند الربيع، حيث يكون الجو صحوا يأتي وقد ألبس الطبيعة حلتها البديعة المزكرشة فأضفى إليها بهاء وجمالا. تظل واقفة تمتع نظرها إلى تلك الزهور التي تسقيها حبا وليس ماء فقط، ما نسيتها يوما دون عناية وكأنها جزء منها تخصص لها بعض الوقت لكي تزيل منها أوراقها الذابلة وبرفق تقلب تربتها وتروي ظمأها. تدري أنها تتنفس وتتوق أن تواصل الحياة حتى لا تذبل، هذا ما يجعلها تهفو إليها كلما أحست باحتياج لها، لقد مثلت لها حديقتها الطبيعة الصامتة النابضة بالحب والعطاء بعد رحيل من كانوا معها. كلما نظرت إليها تشعر براحة وبهجة يغمرانها وقد ارتدت ثوب نعومتها وصفائها.
تقضي أيامها فرحة معها في الربيع ليحل الخريف ومعه يأتي الحزن يطرق باب قلبها ليفاجئها بل ليذكرها بعمرها، فزهورها ستفقد بعضا من جمالها ومنها من ستذبل لتعيد دورة حياتها من جديد، تمنتها لو بقيت كزهرة الجنوب زهرة صالح إيقونة النضال السلمي التي لا تذبل على مر الفصول، صامدة أمام الشتاء وقيظ الصيف ورياح الخريف بل وزحمة الربيع. تمنتها لو شبهتها لتغدو الأعمق في الأرض الأصلب في جذورها الأرق المترفعة، المانحة المتمنعة من الزوال، أن لا تغيب عنها ولو لحظة، وأن تمنحها ما تمنحه إياها من حب وحياة لكن هيهات.
انسابت دمعة على خدها وأسدلت ستار شرفتها بل على حياة ستمضي بأمر من قدر خط كلماته مسبقا، فرياح الشمال كم داعبتها لتأخذ من عمرها فلم تبقي منها سوى بعضها، هكذا ستداعب زهورها أيضا الآن، لقد أتت لتنذرها حتى تستعد لوداع المكان، كما هي سيحدث معها يوما ما بعد أن يذبل أجمل ما كان فيها روحها تلك.