الأدب هو كل ما يؤثر في النفس ويُراد التعبير عن ما تحمله خباياها ومكنونات أحاسيسها المتقلبة وسوانح خواطرها، لذا تجد الكاتب يحيا حياة مختلفة عن الغير، يسايرها حسب الظروف والأحداث التي يصطدم بها، يصرخ بصمت باحثا عن من يسمعه دون أن يُظهر ذلك، يحاول أن يذرف الدموع فلا يلبث أن يعيدها حتى لا يبين للغير ضعفه، أو شاردا يبحث عن دربه الذي لا يدري عنه شيئا ولا أين ستتوقف محطته، فيظل سائرا دون هدف.
كل تلك الصراعات النفسية تجعله يشعر بضيق بداخله طابقا على أنفاسه، حينها يبحث في كل الأركان عن منقذه الذي لا يكون سوى قلمه يخط به كلمات تكون بلسما لجراحه وجوابا لصراخه، بل وتصبح الكتابة بالنسبة له هي المتنفس الوحيد استجابة لنداءات داخلية، استطاع بواسطتها الخروج من الدوامة التي كان محصورا بداخلها بسبب الكم من الضغوطات التي عرفها، أكيد حينها ستمثل جزءه المبثور مادام كل مايكتبه من كلمات ما هي سوى نفسه التي يعريها من الداخل لتتحول إلى صرخة استغاثة ربما سيجد من يسمعه بعدما فشل من قبل.
تلك الخطوة الأولى قد يجد الكاتب ذاته فيها بعد أن يجلس بينه وبين نفسه ليحكيها على الورق، فتكون بذلك لحظة صدق وصفاء معها ما وجدها خارج الورق بل عند قلمه، الذي أصبح رفيقه يعرفه عند لحظة حزنه ولحظة فرحه.
كما أن خطوته تلك ستجره بعدها إلى خطوات، يصبح مدمنا بعد أن ذاق طعم الحرف وانغمست مشاعره في شباكه ليصيغها بطريقته الفنية فتغدو نثرا أو شعرا أو قصة من قصص الحياة الواقعية
وبتذوقه لسحر فنون الأدب و مبادئه يتخذ لنفسه أسلوبا ينهجه وتصبح له رؤيا أبعد، آلا وهي أن يوصل فكرته التي أرقته كثيرا في مضجعه وجعلته أحيانا يتأمل الأفق وكأنه يبحث فيه عن من سيمد له يده لتحقيق رسالته تلك.
نعم تصبح بذلك بالنسبة له الكتابة أكثر من التعبير عن النفس والحالة الوجدانية، لأن تفكيره سيسمو به ويغدو له الأدب كرسالة لبلوغ الحالة الفكرية العملية التي هي من أرقى انواع المعرفة التي سيتوصل إليها فيكون بذلك قد اخترق جدار الصمت وكسر الأغلال التي قيدت معصمه باسم حرية التعبير.
نعم سيصبح بعدها مكلفا برسالة لا تقتصر على جمالية الألفاظ بغية الاستمتاع، بل استعراض مهام المجتمعات ومعاناتهم عن طريق سرد قصص من الواقع وإيجاد الحلول المناسبة لها بسبب ضبابية الرؤى والأهداف المنبثقة من قوة تسليط الأضواء على مسارح الحياة الزائفة، النابعة من منظومات تعتمد على تزييف الواقع، فالأدب هنا وجد لتلك الغاية وعلى الكاتب أن يستعمله كجسر ليعبر بواسطته إلى بر الأمان لا أن يظل غائصا في بحوره يتغنى أحرفه.
سميا دكالي