ابتسمت ياسمين ابتسامة خجولة، وهي تمد يدها المرتعشة لتحصل على بعض النقوذ من أحد المارة مقابل قطعة حلوى، تواجدها باستمرار كان في إحدى الشوارع المعروفة في المدينة الصغيرة التي تقطنها. يرتادها سكانها من كل حي بغية قضاء مآربهم وإشباع رغباتهم اللامنتهية في التبضع.
هناك ياسمين كانت تتخذ لها مكانا قصيا في أحد الأركان، تحتمي فيه من البرد القارس الذي يلفح وجهها مما يسبب لها احمرار وجهها وتشقق شفتيها، لم يكن يقي جسمها النحيف سوى أسمال بالية أكل عليها الدهر وشرب.
ورغم كل معاناتها لم تغب يوما الابتسامة عن وجهها المشرق، تلك الطفلة التي لم تبلغ من العمر سوى عشر سنوات، كانت كلما تقدم أحدهم ليشتري منها قطعة حلوى اللذيذة التي تصنعها أمها إلا وناولته طلبه مرافقة إياها بابتسامة عريضة وصادقة، هي التي كانت تملكها لتبيعها مع حلوتها مقابل نقوذ زهيدة.
ابتسامتها كانت تخفي وراءها آلام عاشتها منذ أن بدأت تعي وجودها في الحياة، بعد أن رمتها الأقدار دفعة واحدة إلى معترك الحياة، أرغمتها لتبتسم في وجه الكل غصبا عنها، وكأنها بابتسامتها تظهر سعادتها وقوتها بل واستغناءها عن الغير رغم الخصاص.
أحيانا ودون شعور منها تغلبها دمعة خفية، لاتلبث أن تمسحها بسرعة، لتعيد بسمتها فتغطي على ملامحها الطفولية البريئة تلك الآلام حتى لا يدري بها أحد فتثير شفقته، عزة النفس امتلكتها ياسمين وغرستها أمها بين جنبيها رغم صغر سنها، لم تعلمها المدارس تلك المبادىء الجميلة، لكن الحياة وحضن الأم من لقونها كل ذلك، فقد علمتها قساوة المعيشة دروسا، وحنكتها التجارب التي خاضتها ما شاء الله أن يُقدَّر لها، حتى جعلتها قوية رغم ضعفها وصبورة رغم الوجع.
طفولة مغتصبة عاشتها ياسمين لم تتمرد على وضعها بل رضيت بها وبكل إرادة وصمود لتواصل مسيرتها، وإن كان ذلك يكلفها يوميا الوقوف من شروق الشمس إلى غروبها. لم تكن بيدها ساعة لتعرف كم مر من الوقت، غالبا ما كانت ترفع رأسها وهي شاخصة بعينيها في السماء وعلى شفتيها ابتسامة، تعرف انه وقت العودة فالسماء أسدلت ستائرها معلنة على الكون قدوم الليل ليعم الهدوء، تحمل حينها صينيتها وقد باعت منها الكثير، لم يتبقى منها سوى قطعتين ستتركهما لأختيها الصغيرتين حتى تسعدهما وتدخل الابتسامة على وجوههما الملائكية.
طفلة حملت أعباء أسرتها لتساعد أمها بعد وفاة الأب. ما ترك لهم سوى بيت متواضع آيل للسقوط، وفراش مهترىء، وابتسامة لتبيعها.
لا أحد يدري كم كلفتها ابتسامتها هذه، باعت مقابلها أحلامها الوردية، وطفولتها لتحرق مراحل من حياتها وتفرض عليها أوضاعا ما رغبتها. لم يكن لديها خيار، فقد اختار لها القدر طريقها ورسم بريشته حياة موجعة، عليها ان تسلكها نحو المجهول بابتسامة لا تفارقها.
سميا دكالي