اليتيمة -الجزء (26) – صراع بداخلي

You are currently viewing اليتيمة -الجزء (26) – صراع بداخلي
اليتيمة سنوهويت

كان كلُّ من في البيت قد خلد إلى النوم، دخلت غرفتي بهدوءٍ، نجوت من ترصد جون لي، ربما يئس من ملاحقتي، لكن مؤكدًا سيفرح عندما يعرف ما أفكر فيه، وأنني في متاهة لا أعرف كيف أخرج منها، وربما جاك قد لا يكون من نصيبي، لم يكن ذلك من اختياري بل هي الظروف من تدخلت لتقلب أحلامي رأسًا على عقب.

كنت قبل أن أعلم بما خبأه لي الدهر أعيش على أماني حملتها في كفي، وفي الكف الآخر حملت مفتاحَ قلبينا، أردت أن أحكم الإغلاق عليهما حتى لا نخرج من معتقل حبنا، لكن الظروف ما تركتني أكمل ما نويته، بل سلبتني المفتاح لأصبح مشردة دون مأوى قبل أن أستقر بداخلنا.

غيرتُ ملابسي وآويت إلى فراشي راغبة في نوم عميق لا أستفيق منه حتى أنسى أني قد وجدت، بقيت أتقلب على السرير إلى أن نمت، لم أشعر بوجودي إلا على رنة هاتفي، إنه وقت العمل الآن.

قمت بتكاسلٍ بسبب الإعياء وقلة النوم، فوجدت الكل على المائدة، ألقيت التحية عليهم وأخذت مكاني، رمقني أخي بغضبٍ فهو لا يحب جاك ولا يريده أن يصبح فردًا من العائلة، أما جون هو الآخر نظر إلي نظرة عتاب وكأني اقترفت ذنبًا.

فقط صوفي من أتت إلي مقدمة لي فنجان قهوتي، قبلتني وهي تمسح على رأسي. منذ طفولتي تعاملني بحنان كما تعرف ما أشكو منه فقط من نظراتي، فلقد علمت أني لست بخير، لكنها لا تريد إحراجي أمامهم. تلك طريقتها التي ربتني عليها منذ الصغر، صوفي تحاول أن تسدَّ ذلك الفراغ الذي تركه أبي وإن كانت أمي هي الأخرى تغدق علي بحنانها وعطفها لكن لكلِّ واحد دوره.

أنهيتُ فطوري مسرعةً لألتحق بعملي، وبينما أنا أهمُّ بالنهوض خاطبتني أمي قائلة:

لا تتأخري ابنتي سنو وايت، كليلة البارحة فبالي يبقى منشغلًا عليك.

حاضر ماما لا تخافي علي، فجاك يوصلني دائمًا إلى البيت؟

سوف تظهر لك الأيام ما خفي، فأنت لا تعرفين عنه شيء ولا عن ماضيه.

لا تقلق علي، أعرف ماضي جاك.

إذًا تعلمين أنه متزوج وله ابنة، وأنت ما زلت على علاقة به! كيف ذلك؟

لا تقلقوا، فأنا لست حمقاء لأبعد ابنة عن أبيها. المهم دمتم بخير، تمتعوا بأوقاتكم، لدي عمل.

 أخذت معطفي من المشجب وحقيبة يدي، خرجت بسرعة، لم أعد أرغب سماع كلمة من أي أحد، فقد رسمتْ لي الظروف دربي غصبًا عني ولا اختيار لي سوى المشي فيه وقلبي يعتصر ألمًا، لم أكد أخطو خطوات حتى وجدت جاك بجانبي، استغربت الأمر فليس من عادته أن يستيقظ مبكرًا، أخذني في حضنه وبدأ يشهق من شدة البكاء سألته وكلي لهفة:

 ماذا حدث لك حبيبي تبكي بحرقة لقد أقلقتني؟

زوجتي أخبرتني أنها اتصلت بك وحكت لك كل شيء،

حبيبتي لا تتركيني لن أستطيع العيش من دونك سنو وايت.

وجدت نفسي الآن في أصعب موقف قد يحدث لي في حياتي، جاك يبكي كطفل بين يدي يخاف من فقدي، اعتقدت عندما عدت إليه أننا لن نفترق مرة أخرى. لم أكن أدري أن هناك أشياءً لا تمتلك أنصافها؛ إما علينا امتلاكها كاملة أو تركها إلى الأبد. فهو الآن لا يمكن أن يكون لي ولغيري، مؤكدٌ أن الكفة سوف ترجح للأثقل وزنًا وقيمة، وسيكون الحكم فيها مبادئي التي ورثتها عن أبي، أعلم أنه قرار وحكم قاسٍ، لكن ليس هناك حل بديل لأعيش وضميري مرتاح.

مسحتُ دموعه ودموعي بكفي، لقد امتزجا ببعضهما البعض، هي دموع الحسرة على حب لم يكتب له يومًا أن يسعد ويحلق فرحًا بالانتشاء، رجوته أن يسكت ويذهب ليستريح وبعدها سنلتقي حين أنهي عملي، أخذني في حضنه وهو يقبلني في كل مكان ليملأ نفسه بي حتى يكتفي، هذا هو الحب الحقيقي ما شبع منه المحبّ الصادق يومًا وما ملَّ منه.

افترقنا ثم واصلت طريقي إلى العمل بخطًى بطيئة وكلي حسرة على قدرٍ وقف في طريقنا ولم ينصفنا، تركنا تائهين في منتصف الحياة بل ومنتصف الأشياء.

أخذت مكاني في مكتبي دون أن ألقي التحية على أحد، شاردة الذهن أسير دون وعي ودون هدف، فضميري يحثني على ترك جاك وتحمل الصدمة والتنازل عن حب لن أقابله ثانية، بينما قلبي يرجوني أن لا أتخلى عنه بل أتمسك بتلابيب ذلك الحب الطاهر القليل في زمننا هذا، صراع داخلي أعيشه الآن ترى من سينحاز إليه أنا؟ أهي رغبة نفسي الدفينة أم ضميري الحي الذي يؤرق مضجعي ويتبعني أينما حللت؟

لم أسلم من المتاهة التي كنت فيها والصراع الداخلي بين ثناياي إلى أن حضرت عندي صديقتي ليفيا لتخرجني منها وقد أحضرت معها الغذاء كعادتها. فعلًا أغبطها، فعلى الأقل هي لم تعاكسها الظروف مثلي ولم تخض مثل تجربتي ربما لأن الحياة أحبتني وأرادت مداعبتي.

قضيتُ مع ليفيا وقتَ الاستراحة، أرادت الغوص معي في مشكلتي إلا إنها وجدتني تائهة محبطة لا أقوى حتى على الكلام، ففضلت الصمت مغيرة الحديث ومحاولة المسكينة تسليتي لكن دون جدوى.

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.