كان السماء صافية وحرارة الشمس قد بددت برد الصباح بل وشققت الأرض من فرط الجفاف الذي أصاب القرية وجعل أهلها يبحثون عن المياه علّهم يطفئون ظمأهم ، أملهم أن تمنّ عليهم السماء بقطرة ماء تعيدهم للحياة، تهتز الأرض بعد ذبول فتخضر ويكثر الكلأ لترعى الماشية والقرية تنبض فيها الروح من جديد.
التفتت آمنة إلى زوجها الذي كان قاصدا ببقرته إلى المرعى الذي غدا كصحراء قاحلة قائلة:
– كم نحن بشوق لقطرة ماء تحيي الأرض ومن عليها.
رد عليها زوجها صالح:
– من خلقنا لن ينسانا وأكيد سوف يسقينا الله إذا ما نحن عدنا إليه.
أكمل سيره والبقرة أمامه تاركا زوجته تتمتم ببعض الكلمات وعيناها على السماء، أدرك أنها تناجي الله وتترجاه ليرحم من على الثرى بزخاته فتنعش الأرواح.
مشى سارحا يبحث عن كلأ لبقرته وماء يروي به عطشها، ابتعد كثيرا عن كوخه ومن بعيد تراءت له بقعة كبيرة بها مياه، لم تنتظر البقرة قصدتها وبدأت تشرب من ماءها العذب ابتسم صالح متفائلا بأن الغد سيكون أجمل.
هذه البقعة من الأرض هي لجاره الفلاح لقد رحل من مدة عن القرية بعد أن يئس، كما جيرانه الفلاحين الذين لم يتحملوا شح المياه والجفاف الذي ضرب الأراضي حتى قلّت المحاصيل وعانت المواشي واختفت خلايا النحل.
حب صالح للأرض وتعلق روح بها جعله متمسكا بها رغم كلام زوجته المتواصل عن الرحيل وترك القرية، كم كان يتمنى منها أن لا تثبط من عزيمته وتطفىء جذوة حماسه! كما فعل جاره “سي احمد” الذي ترك أرضه ولم يفكر في حفر أرضه هذه، وذهب للعيش في البيضاء ظنا منه كغيره أنها ستمنحهم كنوزها، كيف لهم أن لايدركوا أن العيش الكريم مرهون بالعمل والصبر أينما حللت وارتحلت؟
حمل فأسه بيدين معروقتين وبدأ يهوي بها على تلك الأرض المبللة دون كلل وملل، وهو متأكد أن المياه بجوفها ينبع من بئر ليس ببعيد سيتابع الحفر اليوم وغدا إلى أن يجده. يعلم أن الأرض إذا أحبها ستحبه وستعطيه مهما قست الظروف، لن يرحل ويسكن في بيت من صفيح تحوله شمس الصيف إلى جحيم سيصمد ويتابع الحفر.
عاد إلى كوخه بعد عناء يوم مرهق وحفر، وجد زوجته حزينة لن يلومها يعلم أن قلة الحاجة وسؤال الأولاد عن حاجيتهم يجعل من فاطمة تتدمر على تلك المعيشة، وليخفف عنها وعن قلقها أخبرها قائلا:
لا تيأسي عزيزتي الفرج قريب، الأرض لن تبخل عنا عثرت على بئر يحتاج فقط إلى بذل المجهود للوصول إليه، انظري الى السماء أيضا ها هي الغيوم السوداء تحجبها سوف يأتي الخير.
أجابته آمنة متنهدة:
– ماذا عساي أن أقول لك، سوى أن غدا لناظره قريب.
رد عليها صالح:
تلك البقعة من المياه التي وجدتها وسط أرض كلها تشققات، تريد أن تخبرنا أنه علينا التمسك بالأمل وأن الانعتاق لايأتي إلا من وسط المعاناة.
مع صياح الديك وآذان الفجر سُمعت زخات المطر، انفرجت أسارير صالح وهو يصيح:
آمنة انهضي لصلاة الفجر ، اشكري المنان الرحيم لقد أشرقت الروح من دجى المر، وستزهر الأرض بعد أن بكت السماء وأفرحتنا.