هي الحياة ابتدأت بفتح نافذتها على الكل، وقد اتسعت حدودها وامتد زمنها وتعددت فيها رواياتها حتى بدت فوق تصور وإدارك العقل. ورغم ذلك لم تف بحاجة الأرواح المتعطشة لأنها ما عثرت على من سيعرف لغة صمتها قبل كلامها، لتقضي باقي العمر على أمل العثور على روايتها التائهة من بين ذاك العدد. تلاحقها بين المكان والزمان منذ أن وعيت بالوجود، وفي مخيلتها أنها هي حياتها التي رسمها القدر بريشته ولونها بألوان الحب والسلام.
فما كانت الحياة مقتصرة على أن نحياها بين المكان والزمان ولو بلغنا منهما حد الكفاية بطولها وعرضها، وعشنا كل البطولات وتقمصنا كل الشخصيات. فإننا مع ذلك قد نشعر بالنقصان مادمنا لم نلمس معنى الحياة، ولم نلبي مطلب أرواحنا، بأن نبعث فيها بعضا من الأمل يحركها لتحيا. وإلا فستظل على تلك الحالة لن يخرجها من نقصانها إلا إذا تمكنا من إدراك جوهر وكنه الوجود، الذي لن نجده إلا عند ملاذ كل واحد منا ليزيح كل الكم الذي صادفنا على مدار السنين، فيغدو بمثابة العدد كله يقاس به عمرنا وإن كانت سوى لحظات. أكيد لن يكون نبعه إلا من نبع الحب المتدفق من الذي أوجد الحياة.
فلا أصعب أن نحيا حياة ونحن لم نعثر على ذاك الملاذ الذي قد يغطي ذاك النقصان، لنكمل طريقنا ونحن لا نشعر بطعم الوجود، بل ولن نسلم حتى من أنفسنا كلما اختلينا بذواتنا لتطرح علينا ألف سؤال، تراه هل الكل مبحر على نفس المركب؟ وهل ما زالوا لم يصلوا بعد إلى المرفأ الأخير، الذي فيه سيحطون رحالهم؟
هكذا سنحياها في تساؤل مستمر. ونحن نجول الكون بكل ما فيه، والأيام تمر آخذة معها لحظاتنا و أحداثنا بكل رواياتها المختلفة المفرحة والموجعة، بعد أن أثقن الكل تمثيلها، وتعددت حكاياتها وهم لم يكملوا بعد رحلتهم، والمرفأ لم تتبد الغيوم ليظهر للعيان.
لكن الخوف كل الخوف أن يطوي الزمان والمكان كل شيء، ومعه من قاموا بأداء الأدوار فيها، وهم لم يجدوا أنفسهم بعد، لأنها ما كانت ملائمة لهم، وقد مُنحت لهم دون رغبة وعلى خشبة مسرح الحياة مثلوها بإتقان إرضاء للغير على حساب أرواحهم العطشى.
لينتهي كل شيء حتى ذاك الكون وما احتواه من مكان وزمان وقد أغلق نافذة الحياة، في انتظار حياة أخرى لن تغلق فيها أية نافذة ولن يطول البحث فيها.