يقول صديق لقد تزوجت من بنت عمي وأنجبت منها خمسة أطفال ذكور وبعد ستة عشر عامًا من الرياح والعواصف والأمواج العاتية فقدنا السيطرة وكسرت الدفة، لم نكمل المشوار، انتهت رحلتنا حسب قوله بالطلاق والإنفصال ولربما الغرق، وبعد فترة من الزمن ليست بالطويلة لكنها كانت كافية بالنسبة لي لإستعادة ولو شيئًا بسيط مما فقدته، فترة لا بأس بها لشفاء قلبي الجريح، تزوجت من أخرى عشت معها سنتين كاملتين وكأنني في حلم إلى أن استيقظت على وقع نبضات جنين في أحشائها ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي نفسي، انفجر رحمها وادركتها المنية ولعلها اليوم أو الآن تحت أو بجانب سدرة المنتهى ومن حولها فراشات ذهبية ملونة وقد تكون كل يوم ترسل لي سلامًا من هناك
وبعد آهٍ موجعة وكأنها خرجت من لُبّ روحه، لربما صديقي تذكر شيئًا، لكني لم أسأله، قال لقد عشت بين مطرقتين، الأولي كمطرقة (ثور بن أودين) لا زال صدى صوت صريرها أسمعه في عقلي حتى الآن، أما الثانية في الحقيقة لم تكن مطرقة أبدًا ولكنها كالأسفين، أسفين دُقَّ في قلبي وجعل فيه ثلمًا كبير
لو كنت أدرك أن كل هذا سيحدث لي لمَ تزوجت أبدًا، اليوم أنا ورغم أنف المطارق وأنف أنف الجراح أنا سعيد جدًا، يقول وبالحرف الواحد ما أجمل أن تستظل تحت الشجرة بعد أن أنهكك الإعياء والتعب، لربما لن يقف النزف لكن الحياة طبيب ماهر يستخدم في الأعشاب ودواء النسيان، ضحك ضحكةً خفيفة وقال على أية حال كان علىّ منذ البَدْء أن أبقى كما كنت طائرًا وحيدًا محلقًا، كان عنان السماء مجرد خط منه بداية الطيران
ودعنا وغادر المطرح أي المجلس بل طار كعصفور يزقزق على أمل أن نلتقي مجددًا، لربما سيُفرك في سيارته عشبةً من أعشابه ويتناول قدحًا من النسيان، وفي هذه الاثناء نظر لي صديقي الاخر وهو شاب يافع مقبل على الزواج وكأن بنظرته تلك يسأل عن الزواج، ابتسمت وقلت له أنا سأجيبك عن ما يدور في خلدك أو في ذهنك فأنا أعرف ما سألت عيناك وما هي الحيرة التى ارتسمت بوضوح على ملامحك أو ظهرت على محياك أو وجهك
(لا تتزوج أبدًا يا صديقي، تلك هي النصيحة التى أسديكها، لا تتزوج قبل أن تتأكد من أنك لن تستطيع أن تعمل غير ذلك)
لا بد أن يكون لك رصيد كبير في البنك ومنزل كبير كامل مكتمل وقِطعة أرض لا تبعد عنه سوى بضعة كيلو مترات
يجب عليك أن تشتغل قبل الظُّهْر وبعد الظُّهر وفي اللّيل إن أمكن، يجب عليك أن تكون طبيب وأستاذ ومعلم ومزارع وسّبَّاك ونجار أيضًا وفنيّ تخدير وسائق تاكسي كذلك وأحيانًا عليك أن تكون أمًّا وأمًّا مثالية، وكرر أو قُل دومًا الحمد لله حتى يتسع صدرك للحياة
دعك يا صديقي من الحُب وقصصه الفاشلة وأنسى أن تكون إحداهن أو فتاة أحلامك مثل جدّتك ولن تكوم كأمك، فتلك النوعية إنقرضت من بلادي منذ زمن بعيد ولا أظن أن التاريخ سيكررها أو يعيدها
ولكي تكون زوجًا صالحًا سعيدًا عليك بالتضحية وقد تُدبح في بداية العام الدراسي بل في كل مناسبة ولربما تكون أنت بدل خروف العيد وعليك بتقديم كل القرابين من أجل كلمة واحدة من أجل ردة فعل واحدة، وحذاري وإيّاك من باقة ورد فهي صارت من العهد القديم
عليك أن تعمل وتعمل وتعمل، أنسى شكل ولون السعادة، أنسى الأصدقاء، أنسى نفسك أيضًا ويجب أن يكون لك فِراش لوحدك لأنك ستستعمله لوحدك في غرفة منزوية داخل منزلك الكبير
وأخيرًا وليس آخرًا أنصحك أن تشتري هاتف ذو سِعَة كبيرة للرسائل……
صديقي الصغير تزوج من الفتاة التى أحبها و(عاشوا في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات) وتوتة توتة خلصة الحدوثة……
الكاتب حسين صبري ليبيا