أثناء لقائي مع الكاتب نجيب محفوظ سألته عن المرأة في حياته ، وهل لزوجته ملامح في بطلات قصصه ، ضحك واعترف أن زوجته لم تتواجد في أي شخصية من الشخصيات الروائية .. ثم أضفت باستفزاز ، حتى لم تكن في شخصية ” أمينه ” المرأة الضعيفة في رواية ” بين القصرين ” التي لا طموح لها سوى رضى زوجها ، و كانت تردد دائماً ” حاضر سي سيد ” حتى أصبحت هذه العبارة المفضلة عند الرجال ، خاصة في هذا العصر الذي شقت المرأة فيه عصا الطاعة وانطلقت ولم تعد ترى في الرجل حضن الخضوع وأصابع القيود ، أكد نجيب محفوظ أن زوجته حتى أنها لم تكن مثل شخصية ” أمينة ” ، ولم يضف شيئاً وغير موضوع الحديث بسرعة .
مع أن الكاتب نجيب محفوظ حاول وضع المرأة في الصورة السلبية من خلال الشخصيات النسائية التي جاءت في رواياته ، و التي كانت ترى في السقوط والانحدار الى قاع المجتمع ، طبيعة أنثوية وغريزة نسائية ، وليس قدراً ومجتمعاً يدفعها الى الخطيئة ، و المرآة التي يرى المجتمع نفسه بها . ولم يقم نجيب بإنصافها كامرأة تكافح وتناضل وتبرز وتتبوأ المراكز ، فمن شخصية ” نفيسه ” في بداية ونهاية ، الى شخصية ” ريري ” في رواية السمان والخريف الى شخصية ” حميدة ” في رواية زقاق المدق الى شخصية ” أحسان شحادة ” في القاهرة الجديدة الى ” زهرة ” في ميرامار الى ” سمارة ” في رواية ثرثرة فوق النيل الى ” نور ” في اللص والكلاب ، وغيرهن من صور النساء اللواتي كانت أنوثتهن جسراً للوصول الى أهدافهن التي غالباً ما تكون هذه الأهداف أموالاً وسيطرة .
خلال هذا اللقاء الذي حاول فيه الكاتب نجيب محفوظ أبعاد صورة زوجته تعجبت من كاتب كبير وله الباع الطويل في تحليل الظروف النفسية والاجتماعية في رواياته أن يتجاهل زوجته ؟ وأن لا يذكرها ، بل يعمل على اخفاء ملامحها ، حتى ان احد الأدباء المقربين من الكاتب نجيب محفوظ قال لي : أن لا أحد يعرف زوجته ، يعيش مع بيته في حالة غموض .
قبل سنوات توفيت زوجة الكاتب نجيب محفوظ ( عطية الله ابراهيم ) توفيت بصمت ، مع أنني على ثقة أن وجودها في حياته أتاح له التألق والاستمرارية والنجاح ، كانت هي تعيش بالعتمة حتى يضيء هو ، لم تحاول هي التسلق على شجرة نجاحه ، ولم يحاول هو دفعها الى جانبه ، بل عاشا في عالمين ، عالم الصمت المطبق ، وعالم الصخب والشهرة ، وبين العالمين تساؤلات ترتكز على فكرة تهميش الزوجة عند أكثر الأدباء والشعراء العرب .
اعترفت الصحف التي نقلت خبر موت زوجة الكاتب نجيب محفوظ أن نجيب تزوجها عام 1952 ، ولم يعلن زواجه الا بعد عشر سنوات وكان بالصدفة ، حيث تشاجرت أبنته فاطمة مع احدى التلميذات في المدرسة ، وكان والد التلميذة صديقاً للشاعر صلاح جاهين ، الذي أكد له أن التلميذة التي تشاجرت مع أبنته هي ابنة الكاتب نجيب محفوظ ، ولم يصدق صلاح جاهين حتى استقصى الأمر ثم نشر الخبر .
هذا التجاهل المقصود يبعث على الحيرة ، و تجاهل نجيب محفوظ فتح أمامي نوافذ في الجدران الأدبية تطل على عالم الرجال الأدباء والشعراء العرب الذين تجاهلوا زوجاتهم أو قاموا بإخفائهم عن العيون ، ولا يقومون بذكرهم حتى في سيرتهم الذاتية التي من المفروض أن تكون الصراحة أول بند في كتابتها ، كأن المرأة جزء من المجهول والممنوع ، واذا نجح البعض بالخروج من جلباب التجاهل مثل ” الأديب طه حسين ” الذي جعل من شخصية زوجته الفرنسية “سوزان ” الوجه الآخر لنجاح وصعود نجم طه حسين ، والشاعر نزار قباني الذي صنع من بلقيس قصيدة عراقية شامخة ، وارتفعت وارتقت قامتها كزوجة وحبيبة بعد مقتلها ، هناك مئات المبدعين كتبوا عن المرأة كثيراً شعراً وقصصاً وروايات ، حتى زوجة الكاتب السوري حنا مينا أعترف أنه أثناء كتابته احدى الروايات أن زوجته ” أم سعد ” مدت اصبعها وقالت له حط اصبعي في قصة من قصص …
لكن أكثر الأدباء والشعراء العرب وضعوا المرأة الخاصة بهم في صناديق الممنوع ، وكانوا جزءاً من المفهوم الشرقي للمرأة ، أنظروا حولكم ، شعراء ادباء ، مبدعين كم واحد منهم يعترف بفضل زوجته .. جميعهم نسخة كربون عن نجيب محفوظ .. قد لا يستطيعون اخفاء زواجهم ، لكن يستطيعون اخفاء زوجاتهم .
المرأة الكاتبة والشاعرة العربية قادرة أكثر على الصراحة والتصالح مع نفسها ومحيطها ، فقد خصت زوجها بإبداعها ، من يفتش في الأدبيات النسائية يجد ملامح الزوج فوق العبارات والكلمات ، وعبر اللقاءات الادبية تعترف بفضله ودعمه لها ، لكن الرجل الكاتب يخفيها ، يبعدها كأنها مصابة بإنفلونزا الممنوع .
شوقيه عروق منصور فلسطين