الحافلة أمام منزل ألفت به كل أطياف الأمان .. ..و سكنت به كل أوجاع العمر ..و استقرت بين عينيها المتقدة آلام زمن مديد ..و رائحة الذكرى تفوح من كل ثناياه ..
تلك الحافلة التي ستقلها إلى الضفة الأخرى الغامضة . المبهمة .. وجوه غريبة و أرواح جديدة ..و ابتسامات غير معروفة . و دروب لم تطأها قدماها من قبل ..
تاركة خلفها بيتها الدافئ بحجراتها الوضاءة .. بلونه الربيعي .. و سقفه الممتلئ بالنجوم .. و أمنياتها العالقة على جدراته .
فيه روحها صامدة ..
تحزم منه ذكريات العمر الماضي . . و تعبأ ابتساماتها في الحقائب و تخزن صور أحبتها في سلال ذات اللون الوردي ..
لتمضي إلى عمر جديد ..إلى ربوع جديدة ..تخلو من رائحة موطنها المعتاد ..بطينه الداكن و أشجاره الباسقة ..
تخلو من هامات ألفتها روحها . ..لتشق دربها بعيدا بعيدا ..
هناك حيث ترتاد دروب غفا أقحوانها و غادر سنونوها ..
و سكنته الوحشة .
و تمرغت أحلامه على أرصفته المكتظة بالظل ..
تلقي نظرتها الأخيرة على منضدتها و أوراقها ..على روايتها الأخيرة فيه .. أبت إلا أن تتصفح شيئا من صفحاتها و تودع بطلها فيها .. تضمها إليها مرارا ..
و كأنها تضم ظل حبيب سكن أسطرها و طياتها ..
فتلمع في عينيها دمعة محبوسة ..
تتنهد تنهيدة طويلة .. لتفلت الرواية من يدها النحيلة ..
تقف أمام مرآتها الوقفة الأخيرة و تمعن في ملامحها الشجية ..
و قد غادرها الفرح طويلا.. و سكن القهر عينيها ..
تدخل في سبات طويلا . . لتصحى على صوت صافرة الحافلة ..
فتحمل وشاحها و تمضي بلا تفكير بلا تذكر بلا تأني ..لتمضي و تجر حبل أحزانها الطويل معها ..فتصعد الحافلة . و قد ملأ الدمع سيماء وجهها القرمزي ..
لا تلقي أي نظرة حولها و لا تستجدي أي لوحة دافئة لتعيدها إلى مكان الذي خرجت منه على الرغم من دفئه ..
تطأطأ رأسها المثقل بالحنين و الذكريات ..
فتنام ..بعد عناء طويل من الدموع و الألم ..
الكاتبة فاديا الصالح/سوريا