أنهيت دراستي الابتدائية بحصولي على الشهادة، كنت مازلت أرفل في عالم الطفولة المشاغبة رغم أني كنت كثير الصمت خجولا نوعا ما، التمست من والدي أن أرافق أفرادا من العائلة إلى الجبل في عطلة الصيف، استجاب على مضض لأنه كان يحتاجني لمساعدته في التجارة التي لم أكن أحبها بتاتا، حللت بمدشر إحدى القريبات التي كانت تعزني كثيرا وكنت أبادلها نفس الشعور، مكثت بمنزلها أياما عددا، نسجت بالمدشر صداقات مع ابناء جيلي، جبليين مولدا ومنشأ، تلقائيين حد البراءة المفرطة، دخلت بيوت أسرهم وصرت مألوفا لديهم، وكان أن لاحظت حركة غير عادية في أحد البيوت فعلمت بعدها أن أسرة تستعد لحفل زفاف ابنها البكر وجلب عروسه من مدشر غير بعيد.
حل اليوم الأول من حفل الزفاف، ذبح العجل صباحا وبعده الماعز، ووضعت المأدبات غذاء لأهل المدشر والمداشر المجاورة تحت أنغام الغيطة والطبل، ومساء حلت فرقة ” البواردية ” التي أتحفت الحاضرين باستعراضات رائعة، وفي اليوم التالي ظلت الأهازيج متواصلة إلى أن حل المساء لينتظم موكب من شباب المدشر ممتطين البغال يتقدمه هودج تقليدي مخصص للعروس.
أصررت على مرافقة الموكب لاكتشاف عوالم أخرى في ذلك السن المبكر أمام رفض قريبتي، إلا أنها استسلمت لرغبتي أخيرا مبدية مخاوف غامضة فسلمتني لأحد شباب المدشر لما تضع فيه من ثقة كاملة، وماهي إلا لحظات حتى انطلق الموكب وأنا وراء الشاب على بغلته الشهباء.
حللنا بدار العروس بعد ساعة ونصف من السير فوجدنا موائد الطعام منتشرة في حقل مجاور للمسكن، استقبلنا أهل العروس بحفاوة بالغة، وصرنا نزدرد السمن والعسل والزيت واللحم تحت أنغام الغيطة والطبل، وجاء موعد حمل العروس في هودجها وانتظام الموكب مجددا وسط حركات احتياطية شديدة من أهل مدشر العريس وتأهب بادي للعيان من أهل مدشر العروس، وأنا فاتح فاهي لا أدرك شيئا سوى أني أمني نفسي بالنظر إلى الفتاة التي ستزف إلى زوجها وأنا لي ذلك وسط الناس المتدافعين من هنا وهناك، إلا أني شعرت بأن أمرا مهولا سيحصل عندما شدني الشاب المرافق لي من ذراعي وأمرني بملازمته وامتطاء بغلته لأخذ مكانه وسط الموكب.
عندما ترجل الموكب تأخر بعض شباب مدشر العريس وصاروا يأمنون الموكب سيرا على الأقدام، وماهي إلا لحظات حتى انبرى شباب مدشر العروس على التلال يقصفون بمقالع أحجارا مسومة كأنها صواريخ جو – أرض ، فما كان من الشباب المرافق للموكب إلا أن ردوا بالمثل مرددين هتافات مضامينها الاعتزاز بالفحولة والرجولة والشجاعة والإقدام.
كان مشهدا هلاميا يختزل قضية قومية حين يرى أهل مدشر أنهم مسوا في كرامتهم وعنفوانهم وكبريائهم عندما “اختطف”
شاب غريب ابنة مدشرهم وذهب بها إلى مدشر آخر ومسكن آخر وأهل آخرين.
لم يأخذ مني هذا المشهد كثيرا من الاهتمام حينها بقدر اهتمامي برؤية العروس، هكذا كنت أمني نفسي وأنا طفل صغير دون البلوغ، وقد كان لي ما أردت.
تسللت بين الواقفين عند مدخل أهل العريس ودخلت دار الزفاف وصرت واقفا أترقب، عندما حملوا الفتاة إلى غرفتها وتفرغوا إلى الاستمتاع بليلة الاحتفاء الكبرى ولجت الغرفة رفقة امرأة، لم يمنعني أحد عن ذلك مادمت ابن المدينة الوافد، أخذت مجلسا قرب العروس، تمعنت فيها جيدا، كانت طفلة تكبرني قليلا ، خجولة ، جميلة ، بادلتني النظر ورحبت بي مبتسمة وناولتني ” كحكة ” عليها الكثير من الجلجلان ، ربتت على كتفي ثم أسدلت على رأسها ” قب السلهام ” .
أما أنا فلم تغرني الكحكة ولا ذلك الترحيب الناعم ، إنما كنت أمني نفسي بأن أكون أنا العريس الجالس بقرب ملاك جميل.
جمال عتو المغرب