اشتد لهيب الحر الخانق فتمخضت المجاري عن جحافل من الصراصير هاربة من القاع، انتشرت تبحث عن الفضلات، وعن الفتات لتقتات منه، مجرد النظر إليها يشعرني بالتقزز من منظرها المقرف، حثالة خُلِقت لتنغص حياتنا، ولا مفر من دعسها تحت أحذيتنا، أشعر بنشوة غريبة وأتباهى برجولتي عندما أهب لنجدة زوجتي كلما أطلقت صيحتها المعلنة لرؤية صرصور مذعور يختبئ حفاظا على حياته، فأهوي عليه بحذائي؛ أستمتع بسحقه سحقا مع البلاط، وأفرج عن ابتسامة لئيمة تشي بنصر جبان.
كان العشاء شهيا تلك الليلة، أكلت حتى التخمة، ثم قمت متثاقلا للحمام والنوم يداعب جفوني، لمحته يحرك قرنيه وراء الباب، خلعت الشبشب من رجلي وأمسكته بيدي، تقدمت منه بهدوء لأباغته، التقت عيناي بعينيه المتوسلتين اللتين شع منهما نور غريب، لمحت برقا يخرج منهما وتيارا كهربائيا يسري في أوصالي…
فتحت زوجتي غطاء المرحاض وأطلقت صرخة مدوية لما أبصرتني على حوافه، أطلقت زر المياه، جرفتني السيول المنهمرة إلى أسفل المجاري، تشبثت بجدار البالوعة الغاصة بأقراني، تملكني إحساس بالأمان سرعان ما تبدد لما سرت حركة هلع مفاجئة، فررت مع الفارين متسلقا المواسير نحو الأعلى، توقفت برهة لأرى ما يحدث خلفي، هالني منظر الجرذ وهو يلتهم أبطأنا الذي بقي في القعر، واصلت صعود المواسير إلى أن لاح لي ثقب في الأعلى، نظرت إلى ما وراءه ، إنه سقف مطبخي الذي أعرفه حق المعرفة، لكني أنتبه لأول مرة بأن المصباح اليتيم الذي يتوسطه مليء بالأتربة، إن كتب الله لروحي الرجوع إلى جسدي سأغيره بمصباح جديد، خرجت بحذر أتجول في المطبخ قاصدا بقايا أطعمة العشاء التي لازالت متروكة على الرف، كم طلبت من زوجتي ألا تترك بقايا الطعام في المطبخ حتى الصباح، ما إن هممت بتناول حبات من فتات الخبز حتى فوجئت بصرخة ابني:
“ماما، هناك صرصار في المطبخ!”
أسرعت الخطى لأختبئ تحت الثلاجة،
نبضات قلبي تقرع بشدة، قرناي الرفيعان يتحركان بتوتر شديد، صمت رهيب يسود، هنيهات كأنها دهر، أخرج من مخبئي ناحية باب المطبخ بأقصى سرعتي، فيتراءى لي أسفل حذاء جلدي يهوي علي من علٍ…
القاص سليم بوشخاشخ المغرب