طارت الطائرة محلقة في السماء وقلب إيزلا حزين على فراق المكان الذي نشأت وكبرت فيه، بقيت لساعات وهي في السماء بانتظار أن تحط الطائرة في الأرض، فقد أحست بالخوف وعدم الأمان بعيدا عن أبيها الذي تركها للمجهول.
بقيت على هذه الحال إلى أن غلبها النعاس واستسلمت إليه علها تنسى وجودها وترتاح من نفسها، لم يمض وقت كثير على نومها حتى أيقظها دانيال، مخبرا إياها أنهم قد وصلوا إلى مدينتهم في أمريكا، نزلت الطائرة في المطار لم تشعر إيزلا حينها إلا وبيد دانيال تجدبها للنزول، لقد بدت مستغربة من كل شيء وهي تمشي وعيناها محدقة بالناس، والاختلاف الذي وجدته في كل شيء من هدوء إلى صخب.
ليس كالمكان الذي كانت تحيا فيه، فالناس بكثرة والكل يتهافتون ويجرون دون توقف، خشية أن يفقدوا ما تهفوا أنفسهم عليه، غريبون الطباع واللباس، منهم من تجدهم يثرثرون كثيرا دون جدوى وآخرون يكسوهم صمت مطبق وكأنهم يبحثون في سراب على شيء ضائع، الكل لا يعمل سوى أنه يجري وراء شيء بل أشياء دون أن يحاولوا الاستمتاع بلحظاتهم.
وهم في الطريق لأخذ سيارة أجرة، أخبرها دانيال أنه سيوصلها عند خالتها حسب وصية أبيها، لم تعارضه فهي الآن وحيدة وليس لها أحد سوى تلك الخالة التي لا تعرف عنها شيئا، مشت بها السيارة كيلومترات أخرى وقد احست إيزلا بالتعب والإرهاق، لم يسبق لها أن ركبت تلك المواصلات ولا غادرت ولو مرة واحدة المكان الذي ألفته، الآن تغير كل شيء وقادها قدرُها إلى مكان آخر وعرّفها بأشياء لم تكن تدري بها.
وصلوا إلى البيت المقصود كان منزلا لابأس به ذو طابقين تزينه حديقة، نزل دانيال برفقة إيزلا، أما أصدقاءه فقد افترق معهم في المطار، مد دانيال يده إلى جرس الباب فضغط على الزر مضت دقائق، لم يجبهم أحد وإيزلا قلبها يخفق بشدة خوفا أن لا تجد أحدا فتضيع هنا.