لم أكن أعرف أنه سيأتي يوم أدرك فيه قيمة الغياب ولوعة الفراق، وأني سوف أشتاق لأحدهم حد فيض الدموع، كم أشعر بوحشة هذه الأيام، لدي إحساس أنها تخبئ لي شيئًا سيحزنني، أخشى أن يصدمني جاك، فهو بالنسبة لي السعادة كلها، لم يخلق عبثًا بل أتى سعادةً وفرحًا ليكمل روحي.
فتحتُ عيني على ضوء الصباح استعدادًا ليوم آخر، وبينما كنت على أهبَّةِ الخروج رنَّ هاتفي فرحت كثيرًا حتى كاد أن يغمى علي، لكن سرعان ما تلاشت فرحتي لم يكن جاك هو المتصل، إنه ألفريدو.
أهلًا أخي كيف حالك؟ لقد اشتقت إليك كثيرًا، هكذا إذًا تغيب عنا كل هذه المدة!
سنو وايت أعذريني، أنا أيضًا جد مشتاق إليكم وإلى قهوة صوفي وحضن أمي ومرحك عزيزتي، لكن العمل سلبني كل وقتي وأنساني حتى نفسي.
أتمنى أن تكون قد وفقت في عملك، فقد أخبرتنا سابقًا أنك أصبحت رجل أعمال تملك شركة كبرى.
المهم عزيزتي أخبريني؛ هل حضر عندكم أحد غريب ودخل منزلنا وفتش فيها؟
لم هذا السؤال؟ لم يأت أحد أخي. المهم إذا كان شيء ما قد ضاع منك فأنت ستأتي قريبًا لتبحث عنه وتعثر عليه، لقد تأخرت عن عملي كنت أريد التحدث معك أكثر.
لا بأس أختي العزيزة اعتني بنفسك جيدًا، سنلتقي قريبًا.
طابت أوقاتك إلى أن نلتقي ونشبع من بعض.
توجهت مسرعة إلى عملي وفكري مشتتٌ، ما بال أخي يسأل عن أشياء ضاعت منه؟ ولم كان يخبئها في بيتنا؟
هناك أسرار يكتمها ألفريدو، ومن سيكون له يد في أخذ شيء مهم يتعلق بألفريدو؟ يا إلهي أخاف أن يكون لجاك علاقة بذلك ستكون ضربة قاضية لي ولأخي!
أخذني التفكير في الأمر طوال الطريق حتى أنني لم أنتبه لليفيا وهي تناديني إلى أن وجدتها أمامي:
ما بالك؟ كنت أناديك بصوت مرتفع ألم تسمعيني؟
لم أسمعك فعلًا لأني في مشكلة ولا أعرف لم يحدث معي كل هذا؟
حكيت لليفيا ما أخبرني به ألفريدو، استغربت الأمر وأطرقت تفكر فيه ثم قالت:
أظن أن في القضية سرًا، ولن تكشف الأمور إلا حين سيأتي ألفريدو؛ لذا لا تتعبي نفسك بالتفكير كثيرًا الآن وأخبرني متى سيحضر أخوك؟
ربما آخر الأسبوع أعلم أنك تستلطفينه ليفيا.
ليفيا وقد احمرَّ وجهها:
لن أخفي عنك، ألفريدو شابٌ وسيمٌ وجذاب يروق لي كثيرًا.
حبيبتي أتمنى أن يكون من نصيبك فأنت عزيزة على قلبي وأعتبرك أكثر من أخت لي، وأخي لن يجد أفضل منك وإن جال العالم كله.
بقينا نثرثر إلى أن وصلنا إلى العمل وأخذ كل منا مكانه لينغمس في ملفاته اللامتناهية، هو العمل الذي يجعلني أنسى معاناتي وإن كنت بين الفينة والأخرى أتذكر جاك كلما نظرت إلى الشرفة.
أنهيت عملي، لم تمر لحظات حتى جاءت عندي ليفيا بدت لي مختلفة، ليست كعادتها، وجهها يدل على ذلك فأنا أعرفها جيدًا سألتها:
ماذا حدث أرى أنك لست بخير عزيزتي؟
نعم هناك شيء لا يبشر بالخير، ولكن لن نتكلم هنا لنذهب إلى مقهًى نتحدث فيه بهدوء.
حقا؟ لقد أفزعتني.. أتمنى أن لا يكون الأمر خطيرًا؛ فلم أعد أتحمل الصدمات، يكفيني ما أعانيه.
قصدنا المقهى الذي غالبًا ما أجلس فيه مع ليفيا، طلبت منها أن تخبرني دون تردد فلم أعد أطيق الانتظار أكثر، أطرقت رأسها وهي تفكر؛ مما زادني توترًا، فأعدت سؤالها بصوت مرتفع إلى أن أخبرتني أن ألفريدو حدَّثها وأخبرها أن أحدًا قد سرق منه ملفًا مهمًا من غرفته ويريد معرفة من كان يزورنا.
خمنت وأعدت الشريط في رأسي وتذكرت ذلك اليوم الذي صادف عيد ميلاد جاك والذي بقي فيه معي داخل غرفتي إلى أن نمت، لقد سألني حينها عن غرفة ألفريدو، وأنا أفكر في كل ذلك شعرت بدوار لم أعد أقوى على النهوض؛ مما جعل ليفيا تقلق كثيرًا علي، أحضرت لي سيارة أجرة حتى أوصلتني إلى المنزل.
فزعت أمي وصوفي عند رؤيتي، أخذتاني إلى غرفتي لأرتاح. لست بخير، أشعر بخذلان من أعز شخص أحبه قلبي، لقد فضلته على أهلي ووضعته في مكانة لم يكن يستحقها، كيف له أن يغدر بي ويدخل إلى البيت ليأخذ منه حاجته ويجعل الحب والمشاعر كوسيلة يستخدمها لقضاء مأربه.
حين أتأملني أشعر أنني وهم، ولكن هذا الألم الذي يملؤني يخبرني أن كل ما حدث حقيقة ولم يكن يومًا وهمًا. نعم، كل ما مررت به حقيقة مؤلمة كنت ضحية مؤامرة استعملت فيها كوسيلة لقضاء مأرب وإشباع نفوس ملآى بالجشع.
استأذنت ليفيا مني للذهاب إلى منزلها بعد أن اطمأنت علي ووعدتني أن تظل بجانبي، أما أمي فقد ذرفت الدموع لأجلي لم تصدق ما حدث لي، كما استغربت صوفي مما أقدم عليه جاك، جلست خالتي صوفي بجانبي وأخذتني في حضنها لعلَّ النوم يزورني وأنسى كل شيء.
أما أنا فحملت صورة أبي بين يدي وقبلته وأنا أبكي، فلو كان حيًّا بجانبي ما حدث كل ذلك، من المؤكد أنه كان سيحمي ابنته ولن يترك أحدًا يسرق مشاعرها.
ورغم كل ما حدث ما زلت أحبه وما زال قلبي يخبرني أن ذلك البريق الذي كان يشع من عينيه لم يكن كذبة، هي الأيام ستكشف لي الحقيقة.