نتوء

You are currently viewing نتوء
نتوء

أحس بأشعة الشمس تلفح وجهه، نهض متثاقلا من فوق الكرتونة التي التحفها لقضاء ليلته، تلفت حوله، لا وجود لأترابه، يبدو أنه آخر من استيقظ من سكان ذلك الرصيف القذر،
استنشق ملء رئتيه إكسير حياته، أحس بثقل شديد في دماغه بينما خفت روحه وانطلقت تلاعب الفراشات الملونة، وضع إبهامه على جبهته، حركة أصبحت تلازمه لاشعوريا منذ حفر عليها ذلك النتوء، يوم صفعه والده بعد أن ضبطه متلبسا بمداعبة عقب سيجارة، ارتطم رأسه بمقبض الباب حافرا على جبهته نتوءا ومحدثا في روحه جرحا لا يندمل، يومها قرر الرحيل، قرر أن يقتل طفولته ويلج عالم الكبار،
تراءت له بقايا فطور فوق إحدى طاولات المقهى المبثوثة على الرصيف، أخذ بقايا الرغيف وابتعد بسرعة غير آبه بجلبة النادل وتهديداته،
لاحت له أمه بمشيتها المتمايلة، تبعها فأسرعت الخطو مبتعدة، تذكر ذلك اليوم الغريب، كل الناس متجمعون وأمه غائبة، نواح وصراخ وعويل، احضتنته جدته وهمست في أذنه: -ماما ذهبت عند الله، وهي الآن تراقبك من الجنة، منذ ذلك الحين لازمه الشعور بالوحدة ولم يفارقه أبدا…
توقف عند حاوية القمامة وأخذ يبعثر ما فيها عله يجد تتمة فطوره، أفرغ في جوفه بضع قطرات بقيت عالقة في علبة مياه غازية، تبول غلى الحائط المجاور ثم سار هائما على وجهه…
قادته قدماه إلى الشارع الكبير، أرقام الضوء الأحمر تتراءى له متناقصة في عد عكسي، سرعان ما تشكل طابور من السيارات، حشر جسمه الصغير بين جحافل المتسولين، أخذ ينتقل بين السيارات المتوقفة مادا يده لعله يظفر بقطعة معدنية، بدا له يرقبه من المكان الخلفي لسيارة سوداء لامعة، قد يكون في مثل سنه، خداه متوردان، عيناه العسليتان تشع منهما نظرة بريئة التقت بنظرته السابحة في العدم، هرع إليه ليلتقط علبة بسكويت مدها إليه، إلا أن زجاج السيارة المتصاعد فجأة ونظرات السائق الشزراء، جعلتهما يكتفيان بحوار عيون أخرس،
آلت الثواني المتنازلة للضوء الأحمر إلى الصفر تاركة للأخضر حصته، لم يستطع تحويل نظراته عن الطفل الذي أخذ يرنو إليه من الزجاج الخلفي للسيارة التي تابعت طريقها مبتعدة، وضع إبهامه على نتوء جبهته، مد يده في جيبه، أخرج بلاستيكا غطى به أنفه، استنشق بعمق، أحس بثقل شديد في دماغه بينما خفت روحه وانطلقت تلاعب الفراشات الملونة

سليم بوشخاشخ المغرب

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.