لاأدري لماذا كان يأكل اللحم في وليمة وهو مغمض العينين ، خلته يقوم بطقوس خاصة بالأكل لا يفهم كنهها ولا يستمتع بروحانياتها إلا هو ، ما أن يهدي نظرة خاطفة إلى صحن به خمسة دجاجات محمرة وينزع جزءا من إحداهن بقطعة خبز ثم يرسل اللقمة الكبيرة إلى فمه المشرع حتى يولي وجهه شطر سقف الغرفة ويغمض عينيه في حنو بالغ ويمضغ بصلابة وكأني أمام آلة حصاد ، يعيد نفس الحركة في مشهد غريب ، التفت له الجمع المتحلق فهناك من ابتسم وهناك من أخفى ضحكته فيما قام اثنان بهمس خافث .
ما جدوى في أن يغمض إنسان عاقل عينيه عند الأكل بينما الصحن الباذخ يغري بالمشاهدة والتأمل وكأنك أمام قصة ببدايتها ونهايتها وإن كانت مأساوية بكل المقاييس في حق دجاج ذنبه الوحيد أن حمر وجمر ووضع بين أيادي غير آمنة .
دفعني الفضول باحتشام بليغ ونحن نحتسي الشاي بعدما أنهينا معركة اللحم والدجاج على الطريقة المغربية التقليدية ، سألت الرجل وكان بدينا ذا صدر عريض ووجنتين منتفختين بعد أن تجاذبنا أطراف الحديث حول الفلاحة والدراسة وانتخابات البرازيل وكرة القدم وآلام المفاصل وخروف العيد وجدت الرجل حينها موسوعة علمية وإعلامية لا يشق لها غبار ، فهو لا يعرف عبارة لا أدري تماما ، ترجلت فاستفسرته عن السبب الداعي إلى إغماض عينيه عند الأكل فقال لي وكأنه سئل عن علم عميق بعدما طوح برأسه يمينا ويسارا :
” انظر يا ولدي أصلحك الله ورعاك وأحسن مثواك ، الغذاء طاقة للجسد والروح معا ، فما أن أمنح لجسدي الطعام بلقمة محترمة حتى أغادر ببصري عالم الإنس وأتماهى في عالم الأرواح فتطيب نفسي وتسعد وأستشعر لذة إن علمت بها الملوك حاربتني عليها بالسيوف ، جربها ، وتذكرني ” .
كنت طالبا حينها وكنت أسعى لتجريب كل شيء في حياتي حتى أستفيد وتكتمل شخصيتي ، دعيت لوليمة في البادية بعد نصيحة صديقنا بشهور ، تحلقنا حول دجاجتين ، نزعت جزءا من دجاجة بقطعة خبز ، أدخلتها في فمي ، صرت أمضغها فوليت وجهي شطر السقف وأغمضت عيني قليلا ، عندما بلعت الطعام ونظرت ثانية إلى الصحن وبين أناملي قطعة خبز أخرى ألفيت الدجاجتين قد أصبحتا عظاما نخرة والقوم ينتظرون وجبة ثانية ، لم أدع على الرجل الناصح بل دعوت على جنوني وحماقتي عندما قمت بذلك وأنا برفقة أكلة عبارة عن منتخب كرة القدم .
القاص جمال عتو المغرب