رن هاتفها في ساعة متأخرة من الليل حملته لترى من المتصل لقد كان هو، ظنت أنه لن يسأل عنها بعد آخر موعد لهما. ترددت وهي تفكر بأن لا تجيبه وقد أطلقت تنهيدة راحة محاولة إخراج كل ما في صدرها من آهات، وهي من عاشت تعبر محطات قبل أن تصل إلى محطتها هذه. أخيرا أجابته بعد تردد، عليها أن تكون صامدة لقد أراد أن يقابلها للمرة الأخيرة.
استغربت الأمر وهي تتساءل هل مازال يفكر فيها؟ لم تعارض رغبته بل رحبت بكل حب حتى يكون وداعهما أنيقا يشبه بدايتهما، وإن كان قلبها قد اتقد حسرة على ذاك الحب الذي لم يُكتب له أن يستمر.
عاشت أمل يتيمة بمفردها داخل جدران بيتها المتواضع الذي طالما أحسسها بالدفء والأمان، فكم شهد على دموعها التي سكبتها من أجل حياة تافهة وأناس أتفه! استيقظت في الصباح الباكر، أعدت لنفسها كوب قهوتها المفضلة وقررت مواجهته مادام قد طلب رؤيتها، فليس من عادتها الهروب من الحياة مهما كانت أحداثها. وهي التي عاشت ترتمي بسعادة بكل تجربة سواء كانت مرة أو حلوة، لترقص على أوتار مآسيها بروح لا مبالية. فقد علمت يقينا أن الحياة ما منحت أحدا كل ما رغبه تلك كانت فلسفتها.
لبست أجمل ما عندها وتجملت له وكأنه اللقاء الأول لتسرع إليه وكلها لهفة، وجدته ينتظرها على أحر من الجمر وعيناه عليها، في ذاك المساء كانت وجبة الحب باردة بعد أن سُجنت كلماته التي كانت يوما يرتجف لها القلب، وترتعد الفرائص الآن غابت عن مائدتهما ورفعت طوعا، أكيد الآن ستعيش على ذكرى موجعة فمحطتها لم تكن كسابقتها، لقد كان حبها صادقا لذلك لن تسلم منها، بل ستبقى متغلغلة في أعماقها لا السنوات ستنسيها إياها ولا قلبها سيتنكر لها.
نظرت إليه لتراه محدقا بها، ومحتميا بمعطفه من برودة الفراق، وقفت لتودعه وابتسامة على محياها وقد تركت فنجان قهوتها المرة دون أن تلمسه، رماها بنظرة أخيرة لتكمل هي خطواتها وقد حملت حقيبتها، ولبست معطفها دمعة ودمعة خفية انسابت على خدها، رغم محاولة الإبقاء على ابتسامتها الزائفة كحياتها الزائفة، لقد كانت عبارة عن محطة عابرة واحتضرت.
سميا دكالي