كرامات

You are currently viewing كرامات
كرامات

عاودها نفس الحلم لليوم الخامس على التوالي، غرفة ظلامها حالك، تقودها قدماها إلى الباب المتواجد في جانب الغرفة يحيط بحوافه ضوء خافت، تفتح الباب فإذا بها تجد نفسها فوق جسر ضيق معلق في الهواء، أرضه ألواح خشبية، على جنباته حبال خشنة، ينطلق من البيت متأرجحا فوق العدم، تخطو فوق الجسر تحت ضوء البدر المتلألئ في السماء، تسمع أزيز خطواتها الحذرة فوق الخشبات المهترئة، تتجه نحو قبس من نور مشع آخر الجسر، لما تقترب من نهايته، نبدو لها عينا قط أسود تلمعان في ظلمة المكان، فتتهاوى من الجسر نحو العدم، تُدَوِّي صيحتها في أرجاء البيت وتهرول والدتها إليها، تضع يدها فوق رأسها متعوذة مُحَوْقِلَة…
تحت ضوء المصباح الخافت، ظلت جميلة تنظر إلى جذوع الشجر المستلقية تحت سقف غرفتها، لا تستطيع حك شعرها المطلي بالغاسول تحت غطاء محكم، يداها ورجلاها مطليتان بالحناء وملفوفتان بعناية في خرق من الثوب، جفاها النوم، لم تتوقف عن التفكير فيما قالته الشيخة زليخة، وفي صاحبة العمل التي تريد بها شرا، هي قطعا جارتها خديجة، لا أحد غيرها يجرؤ على فعل مماثل، منذ أن أصبح إبراهيم يتودد إليها، تذكرت يوم كانت ذاهبة وإياها للخياطة، ولاحظت نظرات إبراهيم التي كادت تفترسها، منذ ذلك اليوم وهي تضمر لها الشرَّ والحسدُ ينهش لبها، توقفت عن التفكير في خديجة وغاص تفكيرها فيما ينتظرها في الصباح…
استشعرت برودة مياه العين المباركة التي غمرت فيها جسدها البض، أحست بالبخور الذي تنشره الشيخة زليخة يستشري في كامل جسدها، وبوقع غريب لتمتمات الشيخة على فؤادها المهزوز…
على باب الضريح، تركت الشيخة تدفن خصلة شعرها التي قصتها وبَلْغَتَها في التراب، ولجت الضريح، قَبَّلت قبر الولي المنتصب أسفل القبة، وأخذت تتمسح به طالبة راغبة راجية متوسلة…
أخذت تلف حافية القدمين بالشجرة المباركة سبع لفات تحت إيقاع طبول وصوت المزمار الآسر لفرقة عيساوة*، تسترق النظر للشاة المطلية بالحناء التي تنظر إليها بحنان…
استسلمت لإيقاع الطبول التي تقرع في أحشائها، ونغماتِ المزمار التي أخذت ترفع روحها عاليا، بدأت تتمايل مع إيقاع الموسيقى، أحست بدفء دماء الشاة التي تغرفها الشيخة وتسكبها بكلتا يديها على جسمها الذي بدأ يترنح على إيقاع الطبول وإيقاع ترنح الشاة الذبيحة، أحست أنها فقدت السيطرة على جسمها وأوكلت زمام أمرها إلى عالم غير مرئي، أخذت تمرر الدم الدافئ غلى وجهها وجسدها، لم تعد تحس من عالمها إلا بقرع الطبول وصوت المزمار اللذين سافرا بها إلى عوالم أخرى، عوالم سلبت روحها وتركت جسدها يترنح بلا هوادة، قبل أن تسقط مغشيا عليها…
توقفت الفرقة عن العزف دون أن تتوقف الشيخة زليخة عن ترديد تعاويذها التي تطرد الجان من جسد جميلة…
جلست جميلة بجوار عريسها إبراهيم راسمة على محياها ابتسامة عريضة توزعها على المدعوين ورأسها يتمايل منتشيا بأهازيج الفرقة الموسيقية،أخذت تتحسس الحرز المثبت تحت فستان عرسها وهي ترسل نظرات التشفي لخديجة صديقتها اللدود.

المغرب القاص سليم بوشخاشخ

*عيساوة: نوع من الموسيقى ذات أصول صوفية، نسبة إلى الطريقة العيساوية لمؤسسها الشيخ الكامل محمد الهادي بن عيسى المغربي

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.