قطط مسكونة

You are currently viewing قطط مسكونة
قطط مسكونة

صباح يوم الجمعة،وقبل الصلاة…
أيقظتنا أمي على عجل، لنودع نايف، ونوف…
وجد العم عبد المجيد عملاً في مدينة جدة…وسينتقل إلى هناك …
سيارة العم <الهايلوكس> تقف في الخارج …وشاحنة كبيرة تقف وراءها ،تحوي أغراضهم ،استعدادا للرحيل .

أسرعت مع أختي ،إلى الباب …كنا نبحث عن نوف بين جموع الجيران الغفيرة عند البوابة ….
حسنًا سنودعها أولا …ونفتقدها كثيرا…لن تذهب بعد اليوم معنا إلى المدرسة في مشوارنا اليومي…ولن يستهلك الطريق ،قفزاتنا وضحكاتنا وحكايات المدرسة…
دميتي الجميلة في يدي…هي هدية ذكرى لصديقتي نوف …

أما نايف …فهو في غنى عن وداعنا…أطرافنا ووجوهنا نحن الثلاثة لم تسلم من خربشات أظفاره … واختبرت أجسادنا الصغيرة…بارود مسدسه الصغير …كان يظن أن الفتيات الصغيرات ، يتحولن عند الظلام إلى قطط مسكونة…يسمي قطط الحي بأسمائنا، ويلاحقها في الليل بالحجارة والحصى …
يزجرنا إن تأخرنا في العودة من المدرسة …بل كان له صديق جاسوس …أخبره مرة عن رؤيته لنا نتسكع، ونشتري من بقالة الحي أقماع البوظة …
يومها …حدث ما يشبه القطيعة الوقتية، بين أمي وأم نايف…فقد ضربنا ثلاثتنا …وأدمى عين أختي.

كان في الصف السادس الابتدائي، ويصغرنا، ورغم ذلك يتصرف كرجل شرقي أصيل له شارب، يحكم أخته وجاراته.
يفرط في استخدام نون النسوة الآمرة على طريقته ،كلما أرسلته أمه معنا ،عند ذهابنا للعب في حديقة الحي…
يتقدمنا بخطوات كثيرة … ويتصرف كمرشد طريق محنك …
أسرعن ….
أسكتن…أذهبن….
ويظل يصرف أوامره الطفولية… في إثبات فاضح لمستقبله الرجولي.

ها هو يجلس قرب والده في السيارة يشيح بوجهه بعيدا عنا…ونوف في أحضاننا قرب أمها تودعنا بالدموع …والقبلات…
أشرنا إليه ، كي ينزل من السيارة ،حتى نمنحه الوداع…لكنه اكتفى بالتلويح بيده …ومد لسانه في هروب واضح من مشاعر الوداع المربكة …
زجرته نوف حتى يكف عن مد لسانه….ثم اعتذرت ضاحكة، وهمست تقول لنا :
– لقد قرر نايف أن لا يحادث الفتيات الغربيات عنه بعد الآن …يقول أنكما شيطانتان…وأنه كان على خطأ …الفتيات الصغيرات…لا يتحولن إلى قطط ، بل إلى شياطين مؤذية…لا تصرفها الحجارة بل المعوذتان.

بعد ذلك اليوم ، لم نر عائلة عم عبد المجيد مجددا… جيراننا الطيبين ،رحلوا ولم يتركوا عناوينهم….
والحقيقة أننا نشتاق إليهم … نشتاق إلى ضحكات نوف الرقيقة ، ورجولة نايف الطفولية الصارخة..
…نحتفظ بخربشات أظافره على جلودنا…نعلم أنه كان يمارس حقه في حماية بنات الحي…لكن الطريقة خانته…
ربما أصبح لديه الآن مخالب…أو أنه صار بلا أظافر….لا أدري …
لكني أدعوا الله أن  لا يبتليه بقطط مسكونة ،تسلب راحته…

الكاتبة د.ندى مأمون إبراهيم/ السودان

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.