إيزلا ذاك هو الأسم الذي سمعت أباها يناديها منذ أن أحست بالوجود في تلك الجزيرة المعزولة سان بول في المحيط الهندي جنوب غرب امستردام تستخدم فيها مقصورة البحوث العلمية، إيزلا لم تعرف مكانا آخر ولا سافرت بل ظلت في تلك الحزيرة فعشقت البحر كما عشقها، عاشت وهي ترى نفسها في أمواجه فكان مرآتها، كما لم تكن لها سوى صديقتها الفقمة، فتحت عينيها لتجدها تمدها بالحب والحنان، فأصبحت توأم روحها ما خذلتها يوما وهي تأتيها في نفس الميعاد تلاعبها، رفقة كلبها روكي والسعادة تغمرها، جُلّ وقتها كانت تقضيه معها تجري وتسبح وإياها ممتطية أحيانا ظهرها. تقومان بحركات كانت من أروع الحركات الممتعة، لم يكن يبعدها عنها إلا نداء أبيها، حين يريد منها شيئا أو إذا تغيّر الجو.
هذه هي إيزلا الفتاة الجميلة الشقراء كانت في بداية العشرينات عيناها زرقاوتان ذوات رموش طويلة، وقوامها فارع رشيق، فمها صغير مرسوم بشكل دقيق وردي اللون بشرتها برونزية، أطلق عليها والدها ذاك الإسم نسبة إلى الجزيرة، حياتها قضتها في البحر والتأمل وسنها لم يبلغ بعد العشرين عاما، عاشتها مع أبيها لتجد نفسها تحيا وإياه في تلك الجزيرة النائية المنعزلة عن البشر، سقاها كل الحنان والحب الذي احتاجت إليه في كل مرحلة من مراحل طفولتها.
لقد كان بالنسبة لها الأب والأم والمعلم في آن واحد، لقنَّها الحرف كما عرفَّها على ثقافات البلدان حتى تكون على دراية بكل ما يحيط بها في العالم. وإن لم تذهب أو تسافر قط لمكان، فهي التي لم تعرف شخصا آخر غيره، عالمها لم يكن سوى والدها وجزيرتها وما تحويه من بحر وغابة صغيرة، ومنزل شيده أبوها كان يشمل كل وسائل الراحة رغم بساطة البناء، لقد ضم طابقين: الأول خصصه أبوها لأبحاثه العلمية، فاحتوى على أدوات مختلفة وتجهيزات متطورة، أما الثاني فقد كان يعيشان وينامان فيه.
إيزلا تعلم أن والدتها قد توفيت وهي ما زالت رضيعة كما أخبرها والدها، إلا أنه كان غالبا ما يتهرب من إتمام سرد حكاية أمها رغم أسئلتها الكثيرة التي لم تنفك تطرحه عليه بإلحاح كل حين وحين فقدانها لأمها ترك أثرا عميقا في نفسها لكن عطف أبيها ومحاولة إسعادها جعلها تحيا حياة متوازنة كلها حب ونقاء صحبة فقمتها.