اقتربت إيزلا من سرير أبيها تود الاطمئنان عليه، تحسست جسده وجدته قد أصبح باردا كالثلج، وكأن الموت أتى إليه يستأذنه ليذهب به إلى عالم الآخر. سمعته يهمس بصوت منخفض متقطع طالبا منها بأن تذهب للعيش عند أهل أمها في أمريكا وتعطي الملف لدانيال، لم تتمالك حتى بدأت تنساب دموعُها على خديها دون توقف رغم محاولتها الصمود لكن دون جدوى، المسكينة لم تكن تتوقع أنه سيأتي ذلك اليوم الذي سيودعها فيه أبوها ليتركها وحيدة في هذه الحياة
هي الحياة ما كانت يوما آمنة فكم فرقت بين الأهل والأحباب ويتمت أطفالا، تركتهم غرباء في عالم لا يرحم ، وبينما إيزلا تفكر في حالها وتنتظر وصول دانيال لنجدتها فهو الأمل الوحيد الذي بقي لها حتى لا يتركها أبوها، إلا أن الموت كان متعطشا لروحه حتى ينتزعها من جسده ويحلق بها في الأعالي، لم تلبث أن سمعت إيزلا شهقة أبيها وخروجَ روحه من بين ثناياه مودعة ذاك العالم بكل ما فيه من أحلام وطموح وخذلان، أكيد قد ارتاحت الآن من كل ذلك وهي من كانت مثقلة بحِمْل ثقيل لتصبح خفيفة وتطير إلى عالم آخر كله صفاء ونقاء.
ظلت إيزلا تبكي بصوت مرتفع دون توقف وروكي معها يئن بطريقته، لم يكن يعتقد أن الحياة صعبة وقد يحدث فيها كل ذلك. نامت من فرط التعب حتى أيقظها صوتٌ انبعث من ورائها، لقد كان دانيال وشخصان معه لم تشعر إلا وقد ألقت بنفسها في حضنه تبكي بحرقة تبعث الشفقة في النفوس، حتى أن دانيال لم يستطع الصبر بكى هو ايضا معها لكنه تماسك واستجمع قواه ليهدأها ويطمأنها أنه سيهتم بشأنها ويقف بجانبها مادام حيا.
طلب منها أن تستريح في سريرها وهو سيتكلف بكل شيء وسيعمل بوصية أبيها الذي لم يكن شخصا عاديا، بل مهما وعالِما له قيمة وصيت في بلادهم.