الإنسان تقدم كثيرا لكنه لا زال يسرق، ويكذب، و يعيش غير سعيدا، و يهدد غيره بالسلاح. هذه المعطيات تنفي التقدم الإنساني المرجوا أولا. فالتقدم ليس هو تقدم الآليات على حساب الذات. نحن نرى اليوم أن الإنسان يأخذ مما هو ضروري لِعَيْشه ليستثمره فيما هو مظهري. لو اهتم الإنسان بهذه الضروريات لما جاع أحد ولا مرض. أبراج شاهقة تشيد و صواريخ تطلق و مجاعة تنخر أجساد الكثير من الناس فوق الأرض. بئر معطلة وقصر مشيد، صدق الله العظيم.
.يمكن للغرب أن يدعي أنه متقدم رغم إنحرافاته الخشنة الذي وجهته إلى ما هم فيه وما هو عليه..
الغريب فينا نحن العرب. لما نتأمل واقعنا، و نرى ما يجري حولنا، نجد أنفسنا مجرد كثلة ضعيفة، تُغَمِّس خارج طبصيل التقدم. لا تقدمنا آليا ولا فكرنا في التقدم ذاتيا. لا زلنا نأكل من سقط متاع الغرب. نتجشأ من غير شبع، و نتوهم أننا متخمون. كل ما نقتات به من مواد وأفكار هو من صناع ومفكرين غربيين.. لماذا هذا الإنحياز إلى هؤلاء المفكرين والفلاسفة الغربيين و هذا العدول المطلق عن مفكرينا العرب؟ هل في أفكارهم نقص لكي نهملهم هكذا؟ أهملناهم، ونرى جيدا أن الغرب يتصيدهم. فكثير منهم ساهم في تقدمه. الواقع يظهر أن الكثير مما نستهلكه من تقنيات و أفكار هو من مفكرين عرب هاجروا وتركوا بلدانهم لأنها أبخست أعمالهم. نحن نستهلك أفكارا لمفكرين عرب غلفها الغرب بزيه الجميل و باعها لنا على أنها له، وهي لنا و من عندنا.. ولنا العبرة في مفكيرن كثر، مثل الدكتور المهدي المنجرة، و فاروق الباز، و شادية حبال، ومحمد النشائي، ومصطفى شاهين، و أحمد زويل.
نحن دائما نبجل الغرب في كل شيء ونعمل بوصاياه في كل شيء، حتى في برامج مدارسنا، نعتمد عليه لكي يبرمج لنا ما ندرسه لأبنائنا. نحن نرى اليوم أن الكثير ممن يتخرجون من أبنائنا، يكتفون بوظائف عادية ولربما تخلوا عن ما درسوه، و تقمصوا أدوارا أخرى لأنها تدري عليهم الأموال، كالغناء والرقص، والتمثيل. فهم يعينون الغرب على أهدافه دون علمهم. ما يهمهم هو التظاهر بأنهم أغنياء، لكنهم فقراء فكريا.. يتباهون بفيلاتهم الظخمة، وسياراتهم الفخمة و هواتفهم الأذكى منهم، ويتناسون أنهم لا ينتجون ولا يصنعون. ينسون أنهم كلما دفعوا درهما لشراء ما يحتاجونه، وهو من صنع غربي، فهو يضاعف أرصدة الغرب و ينمي فقرهم..
نحن كمن يزيد الشحوم في جسم الثور السمين.. تناسينا أن واقعنا مخالف عن واقع الغرب. لنا مبادئ ولهم مبادئهم. لنا أعرافنا ولهم أعرافهم. لماذا انفصلنا عن واقعنا و انغمسنا انغماسا في واقعهم؟ ملابسهم هي ملابسنا. تصفيفات شعرهم هي تصفيفاتنا. لغتهم هي لغتنا. أين وجودنا نحن؟ وبماذا يمكننا فرض هذا الوجود إذا كنا نعتمد عليهم في كل شيء. إذا كان كل ما نستعمله في يومنا هو منهم ومن صنعهم، من الإبرة إلى سجادة الصلاة؟ أين هو وجودنا، إذا كانت كل هذه السلبيات تنخر مجتمعنا ونفتخر بها، ملهمين أنفسنا أننا متحضرين مثلهم؟ كيف لمن لا يملك حتى تسيير نفسه أن يدعي أنه متحضر؟ نحن أتباع الغرب وحاشيتهم. نحتذي بهم. نمتثل لقوانينهم..
أنا لا أزعم، ولا أفكر قط، بأننا يجب ألا نستعمل صناعاتهم، ولا نتكلم لغتهم، ولكن أريد أن تكون لنا، نحن كذلك صناعة، كما لهم صناعات، وتكون لنا حضارة كما لهم حضارة وكما كانت لأسلافنا حضارة.. نتساوى معهم في كل شيء، لكي يمكن أن يكون التقايض، و يستفيد بعضنا من بعض. نتساوى في كل شيء، فلا هم يفتخرون علينا بما لديهم، ولا نحن نفتخر بما لدينا. بل نكمل بعضنا البعض، حتى لا يسخر أحد من أحد، ولا يستهزأ أحد من أحد، كما هم يفعلون بنا اليوم…
الكاتب أحمد علي صدقي/المغرب