إلى روح أبي الطاهرة

You are currently viewing إلى روح أبي الطاهرة
روح أبي الطاهرة

كم يستهويني الجلوس في شرفتي لتناول فنجان من القهوة، تفننت في إعدادها وجهّزت لها أجمل الأطباق عندي وٱجتهدت في ٱختيار أفخم الفناجين حتى تناسب مجلسي الموقّر ومكاني المقدس، لأكون بعيدة عن ضوضاء الحياة وصخبها، وممّا يزيد المشهد رونقا وبهاءا. زخّات المطر التي تنعش الروح وتشفي سقمها وهي تتهامى فوق الطرقات في حياء وهيبة محدثة سمفونية، تشبه نشيج الروح جلست على كرسيي المتحرّك الذي تأسرني حركاته المنتظمة وتجعلني أحسّ بالأمان والطمأنينة، وتذكرني بهدهدات أمي وهي تحاول ٱستدعاء النوم لأجفاني الرافضة للراحة المقبلة على اللّهو وشقاوة الأطفال، وقد كانت المسكينة تجتهد في قصّ بعض الحكايات عساها تفلح في تحقيق هدفها وتجعلي أخلد إلى النوم حتّى تتفرّع هي إلى أعباء البيت، و بعض الأعمال اليدوية التي تدرّ عليها بعض الأموال لتساعد والدي لتلبية مطالب الأسرة الكبيرة. انسدلت جفوني وٱسترخيت على الكرسيّ فراودتني صورة أبي وهو يعود من العمل قد أعياه التعب وهدّه الجهد وٱرتسمت ملامح الكهولة على وجهه المرهق، لكنه عندما نستقبله يأخذنا بين أحضانه مبتسما راضياً مجتهدا في إخفاء ذلك الوجع الذي لا تعلمه سوى رفيقة دربه ومن قاسمته مشاق الحياة.
كان والدي رجلا طيّبا حلو المعشر هادئ الطبع يغمرنا بعطفه وحنانه، ويغدق علينا من عرق جبينه وممّا ٱكتسبه من مال حلال فنشأنا على القناعة ورضا النفس وطمأنينة العيش، فزادنا الله بسطة في العيش وسعادة ٱنعكست على تربيتنا وتوازن شخصياتنا، فكان أبي قدوتنا و مثلنا الأعلى وقد أورثنا هذه الخصال الجميلة التي افتخر بها وأعتبرها أعظم ثروة، فما يبقى ويخلد هو الخلق الكريم والاصل الطيّب وما دون ذلك هو فان.
كم أنا سعيدة بأني إحدى بناتك يا أبي! وكم أفتخر أني ٱنحدرت من رحم تلك الأم الرؤوم العطوف! التي ما بخلت يوما في إدخال البهجة والسعادة على بيتنا العامر بالمودة والرحمة والألفة، رحمكما الله وجعلكما في الفردوس الأعظم. كم افتخر بكما!.

الكاتبة لطيفة حمدي/ تونس

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.