خمسة عشر دقيقة كفيلة بأن تقلب (أعاليك أسفلك) و تجعلك تُغير كل أشياءك الصغيرة و الكبيرة أيضًا
كنت (أقبع) أنا وأخي (التوأم) في بطن (أمي)، أنا لم ألتقي مع أحد هناك، أنا وهو فقط
نرتدي نفس (العراء) ونأكل نفس المأكل ونشرب نفس الشراب وكنا مشاغبين جداً حتى إننا نأكل عظام (أمي) ونمتص أسنانها، نسمع كل أحاديث (أبي) و(أمي) في صمت وسرية تامة و نركل أحيانًا بطنها بقوة
نتشقلب نفس التشقلبات ونتأرجح بحبلها السري وأحيانًا نشده فيصدر صوت جهير وكأنه وتر (غليظ) ل(آلة التشلو) ونسمع معه تمتمات (أمي)واهاتها، نضحك معًا ونمرح سويًا ونتشاجر حبًا و وئام ونزرع البسمة في ثغور بعض
كانت أماني أخي عند خروجه أن يُحلق فى وسع الكون وأحلامي أن أسبح في البِحار السبعة، لم نخف من العتمة والظلمة وكان كلاً من الاخر قلبه على الاخر
تسعة أشهر ما أجملها وما أروعها وما أبهاها، تفكيرنا واحد ودمنا واحد وكل أجزاؤنا كبرت معًا، فكنت أنا هو و هو أنا متطابقين تمامًا إلى (حد لايوصف) في كل شيء، في الشكل والطول والوزن كذلك، حتى أتت اللحظة للخروج، فلم نقرر من سيكون الأول فنحن لا نفكر هكذا فكل ماعلينا فعله هو أن يدفع أحدنا بالأخر والأخر سيمد يده و يسحب الأخر وأتت اللحظة و(التى لم أفهمها أنا أبدًا)
أسمع صراخ أمي حتى نزلت دموعي و قمت بدفع أخي التوأم للخروج، خرج فسمعت بكائه لأول مرة و سمعت أنين أمي و كنت أنتظر أن أرى يده تمتد لي ولكن لا شيء سِوى صراخ أخى و وجع أمي، صراخ أخي الذي لم أسمعه لحظةً طيلة تسعة أشهر فأنا لم أراه يبكي أبدًا وأصلًا لا نعرف أنا و أخي معنى الصراخ أبدًا
هي خمسة عشر دقيقة بقيت فيها ولأول مرة لوحدي، عتمة شديدة وخوف أكثر وأكبر شدة من الصراخ الذي أسمعه، خمسة عشر دقيقة أسمع فيها صراخ أخي ولا أراه وها أنا لأول مرة كذلك في الإنتظار، وقت طويل حسبته دهرًا
في ذاك الإنتظار المرعب أنظر ورائي ولا أرى أحدًا وأنظر إلى الأمام ولا يدًا تمتد نحوي، الصراخ زاد من عذابي وخوفي فماذا فعلوا بأخي ولماذا يبكي و يصرخ رغم شعور في داخلي بأنه يُناديني
خمسة عشر دقيقة كفيلة بأن تقلبني رأسًا على عقب وأتغير تمامًا في كل شيء، ربما تلك الدقائق (الخمسة عشر) التى سبقنى أخي فيها جعلت مني شخصًا اخر لا يشبهه بتاتًا
غريبة هي الأشياء واللحظات تقلبك كقلب طاولة مؤتمرات ترفض أن تغير واقع مرير إلى الأحسن، و بعد الإنتظار بطريقةٍ ما دفعتني (أمي) للخارج رغم الآمها و وجعها، خرجتُ لأبحث عن (أخي التوأم) ولكنني لم أبكي ولم أصرخ فقط إحساس وجع وألم يد تضربني على مؤخرتي ولا دموع في عيني إلا دموع شوق لرؤية أخي ولرؤية وجه من كان يحملني
نظرتُ إلى أخي وبرداءه الجديد وإلتقت عيوننا معًا وسكت عن الصراخ وتنظر لي أمي مستغربة لِمَ لم أبكي…….
الكاتب الحسين صبري