نادتني القصة ليلا من بعيد ، وقد توشحت بياضا ، الليلة مقمرة ، وصخب النهار زف إلى حضن الليل متعبا واهنا ، لا أدري لماذا وقفت وقد اكتمل البدر جمالا واستواء ، بادرتني بصوت شجي رخيم ، بداية خلتها عمتي حين كانت ترتع شبابا ونضرة ، كانت فيما مضى تروي على مسامعي حكاياها من خيال ، قالت القصة وهي تمعن في النظر :
” أين أنت يارفيقي ؟ فعالمي مملوء بالأحداث والشخوص ، أينك ؟ وما يلهيك عني؟ “
بصرتها والحنين يشدني اليها شدا، فخاطبتها بشجن عميق : ” ألهاني عنك قوم سكنوا مهجتي ، سأعود اليك قريبا وأكتبك عنهم ، فهم الفتيان و الفرسان وحراس الليل وحمالو البضائع والإسكافين والخرازين والشحادين والعاشقين والسالكين والمشاغبين والأطفال الرضع والعجزة اليائسين ، سأكتب عن الدم والبارود والغبار والورد والبحر والشجر ، سأكتب عن لحظات المخاض والعشق والحب والبعاد والوصال وعن الدمع وقهقهات اليافع الغض والانكسار والرقص على لحظات الفشل وعن الرحيل “.
أومأت القصة برضا محتشم ، وكأني أخجلتها لكن لم تحد بنظراتها المثيرة عني ، كانت تهم بالانصراف وهي في ذلك ليست راغبة ، كفكفت دموعها فأدركت أنها بكت ، وقالت :
” لا تدعني منسية في رفوف الإهمال ولا في دروب النسيان ولا في مسالك التيهان ، فقد سماني خالقي في سورة يوسف بأحسن القصص ، يتعبد بي السالكون في دروب المعنى ، لقد طفا الصخب على يم الوصف ، فارفق بنا يارفيقي “
تلاشى طيفها في عتمات السواد ، لكن صار نورها الخافث يشق طريقا غامضا .
لوحت بيدي هامسا :
” يا معشوقتي مهلا فلن أخونك أبدا ، سأصقل اليوم اليراع مجددا ، وغدا نلتقي ، وإن غدا لناظره قريب.
القاص جمال عتو المغرب