ايقظها الليل في الهزيع الأخير منه، ما تركها تكمل حلمها الجميل الذي تمنته لو غدا حقيقة، كم تكره أن تفتح عينيها في العتمة لا لشيء فقط لأن الليل هو من يشهد على عبراتها حين يزيح الستار عن الماضي ليذكرها بكل ما مضى مقلبا عليها المواجع. ويخبرها أنها باتت الآن وحيدة بعد أن رحل عنها رفيقها بل وعن الحياة كلها، عليها أن تسلم بذلك لله.
سألها ابنها الصغير ذات يوم
متى سيعود أبي؟
أجابته وهي تحاول أن تخفي مشاعرها
حين تشرق شمس الحرية على الكل، سيعود إلينا حتما.
كيف ذلك أمي ؟
استفسرت ابنتها مستغربة، فهي تعلم أن أباها قد مات كما قيل لها.
أجابتها أمها:
روحه لم تفارقنا هي في السماء ترفرف، بنيلنا للحرية ستعود وتحتفي معنا بها.
تذكر أحلام حين ودعها حبيبها وكأن ذلك البارحة، يوصيها بطفليهما، ما ظنته أنها ستكون آخر عهدها به، لقد ذهب من كان يحمل عنها ثقل الحياة ليتركها تعاركها بمفردها، هناك بعيدا اتخذ مكانه في الحدود، إليها دُفِع قهرا وقد امتزج رغيف حياته بدماء أرواح غصبا عنه، وبداخله صراع يحياه وألف سؤال عن سبب وجوده هناك، هل حقا لأجل حرية أبناء الوطن والدفاع عن حقوقهم يحارب، أم مجرد وهم عاش ومات عليه؟
لم يعاودها النوم ليرحمها من هواجسها، نهضت من فراشها بتثاقل نحو دولابها، أخرجت منه مفكرتها كانت بداخل صندوق ذكرياتها الذي يحوي صورا وهدايا اعتزت بها دوما ، دونت فيها كلمات أبت إلا أن تنثرها لتحررها من سجن نفسها.
بيد مرتشعة وصفت رماد فجيعتها ودموع من ذقن مرارة الترمل، ودفعن ثمن مبادىء مختلقة…
هي تعرف أن زوجها لم يكن يحب القتال يوما، لقد عشق الفن، فكم أسمعها أجمل الألحان. قيثارته لم تفارقه، بل شهدت معه معاركا طاحنة. ما توقع أن الحياة ستغذر به حين رمته برصاصة، لم يعرف من أين أتت أصابته على غفلة منه، وهو يعزف لحنه الأخير..
تسللت خيوط الفجر إلى الغرفة لتبدد ذلك الظلام الذي وشح كل شيء حتى أحلامها، مسحت دموعها وناجت رب الحرية والسلام، خوفا من قادم لا تدري ما يخبئه، ما زالت تطمع أن تكون تدوينتها فيها بريق أمل، وأن لا يأتي على ابنها ما أتى على رفيق حياتها.
أيقظته وأخته للذهاب الى مدرستهما، آثار البكاء كانت باديا على محياها، مما آثار فضول الابنة لتستفسر أمها قائلة:
لماذا كنت تبكين، هل أنت مريضة أمي؟
أجابتها:
لا ابنتي فقط لم أنم جيدا كنت أفكر في الغد، وددت أن أطمئن عليكما فلا أدري ما تحمله لنا الأيام من مفاجآت.
بصوت كله حماس ردد ابنها ضياء:
لا تخشي أمي سأصبح جنديا مثل أبي، لأدافع عنك وعن كل أرملة لم تنعم بطعم الحياة، وأستعيد الحقوق المغتصبة، فدماء من ماتوا وضحوا في سبيلنا والوطن لن تذهب هباء منثورا.
ابتسمت الأم وحمدت الله، لقد نجحت في غرس النبتة الحميدة ، لتثمر ثمارا طيبة، رأت بريق أمل يشع من عيني ابنها. تبقى مسألة وقت حتى تسطع شمس الحرية على كل بيت، لتنير أرجاءه حاملة معها دفىء الحب ولن يكون ذلك إلا من جيل صاعد يأبى الاستعباد.
سميا دكالي