جلست أحتسي الشاي مع أمي وصوفي وعقلي شاردٌ في التفكير بذاك الغريب، أسأل نفسي: تراه هل يفكر فيَّ كما أفكر فيه أنا؟ نعم ما دام كل عقلي معه، ورغم الجوع الذي أشعر به لم تمتد يدي إلى قطعة الخبز المحمص؛ مما أثار دهشة أمي حتى سمعتها تقول لي:
– ماريا ليست عادتك أن لا تأكلي، هل أنت مريضة؟ ما الذي حدث لك يا ابنتي؟
– لا شيء ماما، فقط الإرهاق بسبب عملي الشاق المتواصل طوال الأسبوع.
– ولكن أنت معتادة عليه ابنتي! حسنًا ما دام كذاك لا تنامي قبل أن تأخذي حمامًا دافئا لتستعيدي حيويتك.
– حاضر ماما أوامرك ستنفذ حالًا، وهل لي غيرك من أسمعه أجبتها وأنا أضحك.
أكلت قليلًا وقبلت أمي وصوفي متمنية لهما ليلة سعيدة، صعدت إلى غرفتي حيث ألقيت بنفسي على السرير أتخيل ملامح الغريب، وذاك البريق الذي كان ينبعث من عينيه حتى أصابني بسهمه ونفذ في أعماق قلبي.
لقد أحببتُ شخصًا غريبًا لا أعرف عنه شيء وأنا التي كان الجميع يقول عني قوية الشخصية ولست من اللواتي يقعن في الحب بسهولة، أخيرًا وقعت في الحب ولكن للأسف في حب غريب.
أخذت قيثارة أبي من فوق دولابي وبدأت أعزف لحنه المحبب عنده لأنسى أحداث ذلك اليوم المميز، ولكن ذلك لم يجدِ نفعًا بل حدث العكس، فقد سرح عقلي أكثر؛ مما جعلني أعيد قيثارتي إلى مكانها وأحمل صورة أبي بين يدي راجية منه أن يكون مساندًا لي في كل خطوة أخطوها.
ولما أنهكني كثرة التفكير، أخذت منشفة الحمام ودخلت لأملأ حوض الاستحمام بالماء الدافئ مع الصابون حتى أغوص فيه أنا وأفكاري دون رجعة، أريد أن أعود كما كنت حرة لا شيء يشغل تفكيري غير أبي وأمي وعملي وفساتيني، لكن أحدهم دخل دون استئذان ليطرق باب تفكيري فيشغل حيزًا منه بل كله.
بقيت مدة طويلة في الماء إلى أن سمعت طرقات على الباب، خرجت بعد أن لففت جسمي بالفوطة، كانت صوفي تريد الاطمئنان علي، لبست ثياب النوم بينما صوفي أخذت المجفف وبدأت تجفف وتسرح لي شعري لتسألني بلطف كعادتها:
– ما بال سنو وايت اليوم؟ خرجت صباحًا كالمعتاد بكل حيوية ونشاط لتعود مساءً على غير عادتها.
– لا شيء خالتي فقط مشاكل العمل والملفات المتراكمة
– لا تحاولي الكذب على خالتك حبيبتي، أعرفك جيدًا فأنا من ربيتك وأخذتك في حضني منذ كنت صغيرة، أرجو أن لا تخفي عني شيئًا مهمًا.
أطرقت برأسي وعلت وجنتي الحمرة خجلًا، كما تلعثم لساني لدرجة أن الكلام احتبس بداخلي وأنا أفكر هل أخبرها الآن أم لا؟ فلربما لن ألتقيه مرة أخرى، إذًا لا داعي لأن أشغل بالها، أخذتني خالتي في حضنها كما كانت تفعل وأنا صغيرة قائلة:
– لا عليك سنو وايت، نامي الليلة في هدوء وارتاحي. وفي الغد أخبريني إذا أردت بكل شيء، سأكون دومًا بجانبك، وكل مشكلة تعترض طريقك سنجد لها حلًّا معًا.
– سأخبرك خالتي حتمًا، لكني اليوم مرهقة والنوم غلبني.
بدأت صوفي تحكي لي حكايات سندريلا وأنا أستمع إليها بلهفة وهي تداعب خصلات شعري حتى شعرت بالنعاس.
غطَّتني وأطفأت النور بعد أن طبعت على جبيني قبلة، ثم أغلقت الباب بعد مغادرتها متمنية لي أحلامًا سعيدة. هذه الليلة نمت بهدوء، فقد كنت متعبة من كثرة التفكير لدرجة أني لم أنتبه إلى رنات الهاتف. يا إلهي! كدتُ أتأخر عن العمل لولا صوفي التي أتت لإيقاظي، قفزت من سريري استعدادًا ليوم آخر وكلي أمل أن أعود كما كنت.
تناولت فطوري كالعادة وقبلت أمي وصوفي، ثم ذهبت مسرعة إلى العمل محاولة مسح كل ما علق بذهني. فصورة الغريب لم ترحم مخيلتي بل ظلت تلاحقني في كل مكان وزمان.
وما إن وصلت حتى ألقيت التحية على زملائي ووضعت حقيبتي جانبًا وعلقت (جاكيتتي) على المشجب، بعدها ذهبت في اتجاه الشرفة لأفتحها فهي تطل على شارع به متاجر للملابس وبعض المقاهي، كلما تعبت من العمل ألقي نظرة على المارة كل واحد يتجه صوب مأربه يلاحق رزقه والزمن يلاحقه.
وكم كانت صدمتي كبيرة وأنا أرى الغريب جالسًا في مقهى قبالة الشركة التي أعمل فيها وعيناه محدقة في اتجاه الشرفة، تراجعت إلى الوراء لأجلس على كرسيي وأنا مذهولة من هول المفاجأة، كيف له أن يعرف مكان عملي؟ من المؤكد أنه يراقبني ويتتبع خطواتي.