تسللت داخل البيت بهدوء دون أن أحدث ضجةً وأنا أمشي على أطراف أصابعي بعد أن خلعت حذائي، كان الكل نائمًا؛ فالظلام يسود المكان. أشعلتُ ضوءَ هاتفي حتى لا أوقظهم إلى أن وصلت إلى باب غرفتي، وكم كانت دهشتي حين وجدت جون واقفًا أمامي ليسألني وهو غاضب وعيناه تتقد شرارة:
أين كنت ماريا؟ لقد قلقنا عليك كثيرًا غيابك جعلني لم أنم حتى الآن.
ولماذا لم تنم؟ أنا لست صغيرة جون فأنا أدري ما أفعله.
أستحق ذلك الجواب منك، خلت بأنه قد أصابك مكروه.
لم يحدث لي شيء، أعتذر عن جوابي إذا كان قاسيًا ولكني سئمت القيد والتحكم في كل أفعالي، المهم أشكرك على الاهتمام.
العفو، ربما كنت مع ألفريدو وأنت تخفين الأمر، فأنا أعرف أمورًا أنت تجهلينها ولن أخبرك إياها سوف تكتشفينها مع الوقت؛ لذا لا تظني أني أتحكم في حياتك فقط أخاف عليك.
ماذا تقصد بكلامك جون؟ تعرفني أنا واضحة لا أحب الألغاز، اشرح لي جون كل شيء.
ليس مهمًا، استريحي الآن فأنت متعبة، واهتمي بنفسك وكوني متأكدة أني سأنتظرك مهما صدر منك ولن أتخلى عنك.
أغلقت باب غرفتي بعد أن ذهب جون إلى النوم وأنا أفكر في كلامه الذي يخفي بين طياته أمورًا غامضة، قررتُ حينها أن أحرر تفكيري وأترك كل شيء للأيام فما عدت أطيق التخمين، أتوق فقط لأعيش لحظاتي وأستغل كل وقت ضاع مني لم أذق فيه طعم السعادة.
أطفأت النور بعد أن قبَّلتَ صورة أبي الذي بدا لي سعيدًا لسعادتي حتى أسافر معه إلى عالم اللاشعور.
هذا الصباح لم أستطع النهوض من فراشي إلا بصعوبة، لقد نمت ساعات قليلة، نزلت السلالم ببطءٍ لأجد الكل على المائدة، من المؤكد أنني تأخرت حتى عن العمل، تمنيت في قرارة نفسي أن أسلم من أسئلتهم وكلماتهم التي تنهال عليَّ دون أن يحاول أحدهم فهمي، فقط صديقتي ليفيا وصوفي من تفهما ما بداخلي.
ألقيت عليهم التحية بينما صوفي قربت لي فنجان قهوتي. لم أسلم من نظرات جون، أما أخي فقد سألني عن سبب غيابي ولم أجبه، بل تركتهم وصعدت لأبدل ملابسي ربما صمتي كان كافيًا، ليعرف الجواب وأني ما عدت أتحمِّل ثرثرتهم.
قصدتُ عملي وتفكيري مرهق مني ومن أحداثي التي تلاحقني باستمرار، أواجهها بصمود وأنا سائرة بخطًى كلها ثقة؛ لأن روح أبي دومًا أشعر بها تساندني.
بينما أنا في عملي منهمكة رنَّ هاتفي، أخذته متلهفة للإجابة ظننته من جاك:
ألو جاك؟
أنا زوجة جاك، هل أنت ماريا التي سلبت مني زوجي؟
سقط من يدي هاتفي وتجمدت في مكاني، ترى من هذه المرأة التي ظهرت واتهمتني بالسرقة؟ تشجعت وحملته مرة أخرى لأجيبها على سؤالها:
نعم سيدتي، ولكن لم أسرق أحدًا، أريد أن تسردي لي قصتك فأنا أجهل كل شيء.
لا أريدك أن تمثلي علي، اعلمي أن جاك هو زوجي ولي منه بنت عمرها سبع سنوات، كيف لك أن تدخلي حياتنا وتحاولي تحطيم أسرة عاشت متحابة ومتماسكة طول السنين الماضية؟
سيدتي، أرجو أن تدركي أني لم أعلم بزواجه إلا الآن وتأكدي أني بريئة، ولست كما تظنين من اللواتي يسعين إلى تخريب أسرة.
أقفلت الخط بعد أن طمأنتها وفرائصي ترتعش من هول الخبر الذي سمعت، يا إلهي لماذا يحدث كل ذلك معي؟ دخلت ليفيا لتجدني في تلك الحالة السيئة سألتني:
حبيبتي ماذا حدث لك، أرى وجهك شاحبًا وكأنك رأيت شبحًا؟
صدمة أخرى تلقيتها، جاك ظهرت له زوجة وبنت تصوري كيف سأبدو لك؟
ليفيا وقد تسمرت في مكانها:
يا إلهي أين كان كل ذلك مخبأ لك؟ أرجو منك حبيبتي أن تتجلدي بالصبر لتتجاوزي تلك المحنة.
سأحاول ليفيا أن أصمد فأنا لا أرغب أن يخسر جاك عائلته من أجلي، نحن الاثنان ضحية الظروف القاسية.
أشعر بك سنو وايت وبمعاناتك الآن، كما أنني متأكدة من حب جاك لك، لقد أخفى الأمر عنك لأنه يعشقك ولا أعرف كيف سيكون وقع الحدث عليه إذا علم أنك عرفت بالخبر.
ودعتني ليفيا على عجلٍ؛ فهي على موعد مع أخي، بينما أنا حاولت إتمام ما بيدي وقلبي يتمزق بين ثنايا صدري. أتأسف على ذهاب أحلام عاتبتني على مضض غير آبه بي لتتركني أشكو الخيبة وأعيش ألمًأ كحزن بلبل ما عاد يسمع له شدو.
من المؤكد أن جاك الآن في انتظاري متلهف مثلي لنخرج سويًا ونستمتع بوقتنا وكأننا نسرقه غصبًا من الأيام التي قلما تجود علينا بتلك اللحظات، أشعر بحبه كلما كنت معه فما كذب علي إحساسي يومًا، لقد وجدنا بعضنا بعد أن بحثنا عنا حتى تعبنا.
مع الأسف يظل القدر هو الأقوى في تسييرنا إلى ما يريد ولسنا نحن، ربما إذا عاكسناه قد تتحقق رغبة دواخلنا لكن سنخسر مبادئًنا لها معنًى وأهدافًا نبيلةً، وخصوصًا قد ترعرعت عليها وغرستها أمي لتظل في أعماقي، فأبي لقنها إياها كإرث لنعيش عليه.
لقد وقفت الآن في منتصف الطريق وأنا أشعر كأني أبحر نحو وهمٍ والأمواج فيه عاتية عبر باخرة لا مرفأ لها، أواجها بكل إصرار وتحدٍ دون ملل، وكلي أمل أن تبتسم أيامي الآتية.
ربما قد تفاجأني، المهم أعيش الآن لحظتي وأترك نفسي لغدي يفعل بي ما يريد ما دامت روح أبي تلازمني.