هو الحب، قد يرفعك إلى عنان السماء حين تعيش مشاعر جميلة وصادقة مع توأم روحك، لكن قد ينزل بك ليسجنك في سرداب مظلم حين يتخلى عنك، تعيش في داخله كل الآلام والحسرة وأنت قد خذلت من طرف من منحته نفسك، فتكتشف أن كل ذلك كان كذبة وأنت صدقتها لحسن نيتك وصفاء سريرتك.
حينها تفضل أن تحيا فوضى حواس وسهر بلا مبرر دون أن يدري بك أحد على أن تعترف بالخسارة؛ لأن كبرياءك يمنعك من الاعتراف بذلك، فتلجأ إلى الصمت وانتظار أن يتغير كل شيء، فالذي يحب بصدق يظل يعيش على أمل أن يعود إليه ذلك الحب تائبًا.
استيقظت صباحًا وما إن فُتحت عيني حتى وجدت بجانبي باقة ورود غمرتني رائحتها الزكية، استغربتُ الأمر وتساءلت من يكون صاحبها! تفقدتها بين يدي فوجدت بطاقة تحمل اسم جون، ماذا يريد مني هذا الشخص؟
فأنا لا أشعر تجاهه بأي شيء، ما دام قلبي يدق لأحد، مع أنه شخص لا يعاب لما يتميز به من وسامة وأخلاق، لكنه مع الأسف لم يحرك أحاسيسي. أخاف أن لا أتعافى من حب جاك، كنت أظن أن قلبي قويًّا لن يتأثر بالغياب لكنه يشبه ورقة شجرة خريف حين تذبل وتهزها الرياح، فقلبي ما بقي في مكانه ساكنًا فقد أخذته رياح الحب معها.
كنت على أهبة مغادرة فراشي حتى سمعت طرقات على الباب، إنه أخي ألفريدو أراد الاطمئنان عليَّ فهو يعلم بمعاناتي وكأنه يشعر بالذنب لما يحدث لي، سألني:
سنو وايت، هل ما زلت تحبين جاك؟ أرجو أن تنسينه عزيزتي فهو لا يستحقك.
وكأنك تقول لي انسي روحك وهي مني.
لكنه إنسان مخادع ونصاب ولن أغفر له ذلك العمل، فقد سرق أموالي واستغل مشاعرك.
لكن رغم كل شيء ما زلت لا أصدق أنه لم يحبني.
إلى متى ستظلين تعيشين زمنًا غير ما نحياه؟ كل شيء تغير عزيزتي، لم يعد يحسب للمشاعر حسابًا، يجب أن تتغيري وتسيري مع التيار.
أخي جاك يريدني أن أنسى ماضي وأنظر إلى الأمام، فالحياة لن تتوقف مسيرتها في يد شخص، ربما كلامه منطقي، لكن هذه أنا إنسانة حساسة تحيا وتتأثر بأوتار الظروف، وهذه المرة كان وقع الوتر علي شديدًا وقد استقرَّ داخل أعماقي ومن المستحيل أن يتحرر.
أخذت حمامي وبدلت ملابسي محاولةً لنسيان كل شيء، كم أغبط الآن أصحاب القلوب الخالية، مؤكد أنهم في نعمة لا يشعرون بها، تلك هي الحرية حين تصبح وتمسي وليس هناك من يشغلك عن نفسك. انضممت معهم على مائدة الفطور طوال الوقت وهم يثرثرون بينما أنا صامتة ليس عندي ما أحكيه لهم، كان جون بجانب أخي يختلس النظر إلي كل حين وحين، شكرته بدوري على وروده وودعتهم مسرعة كالعادة أريد البقاء لوحدي لم أعد أستشعر طعم أي لحظة.
وبينما أنا مستغرقة في عملي إذ دخلتْ علي ليفيا تحمل في يدها باقة ورود، أخبرتني أنها لي وعلى وجهها علامات الاستغراب، قدمتها لي وبدون وعي رميتها على الأرض أعلم أنها من جون، ماذا يريد مني هو الآخر؟ لم أعد أثق بأحد فقد اكتفيت من الرجال، هو رجل واحد جعلني أفقد الأمل في الكل، ما عاد أحد يعيش على حقيقته يرتدون أقنعة في الصباح لينزعوها ليلًا، كيف لي أن أكتشف خبايا قلوبهم؟
تفاجأت ليفيا من ردة فعلي قائلة:
سنو وايت ولكن لم تقرئي البطاقة إنها من جاك.
شعرت بدوار وهي تذكر لي اسمه، كيف له الجرأة أن يرسل لي ورودًا؟ من أصدق الآن هاته التي أرسلها أم وروده السابقة، أريد أن أعلم أيهما تحمل لي صدق مشاعره؟
ما بك حبيبتي ظننت أنك ستسعدين؟ أعرف أنه أوجعك كثيرًا ولكنه لم ينسَك ربما قد ندم على فعلته.
يكفي عزيزتي هو تلاعب بمشاعري وبالحب الصادق الذي أهديته إياه.
ربما معك حق، لكن الإنسان ليس كاملًا وقد تكون له أسبابه، المهم لا تتسرعي واتركي الأيام تبدي لك حقيقة أمره.
لن أسامحه ليفيا، وإذا فكر في الرجوع إلي فسأذيقه مرارة العذاب الذي ذقتُه وأشربه من كأسه.
أشعر بك حبيبتي، لكن لا تحقدي عليه فأنت تملكين قلبًا طاهرًا مثل الملاك.
ليفيا من يحب محال أن يعرف قلبه الحقد، ولكن يفضل أن يعيش عذاب الحب وينفض عنه غبار الذكريات حفاظًا على ما تبقى له من كرامة.
لم أتمكن من إتمامي عملي المتراكم وأفكاري مشتتة، فقد أخطأت حين استسلمت لحبٍّ غريب حياته غامضة، كم كنت غبية لأنني لم أسأله أكثر عن نفسه وعمله، الآن أدفع ثمن كل ذلك، حبه غيرني لأشبه سمكة متمردة اختارت الخروج إلى الشاطئ بحثًا عن حياة أفضل ربما قد أجد ما أبحث عنه.
بعد العمل تجولت رفقة ليفيا بين المتاجر لاستكشاف الجديد، تفعل المستحيل لتعيد في ما تبقى وتجعلني أرضى بواقعي المفروض علي، بدوري أحاول أن أعود إلى ذاتي التي غدت غريبة عني وأنا أسير نحو المجهول بأجنحة متكسرة لا أدري ما يخبئه لي الزمن من أحداث.