سار يتدحرج في الدرب بجسده الذي يشبه كرة “” الريكبي “”” لايظهر منه شيء ، فيداه التصقتا ببطنه ، ورجلاه اختفتا في أكوام اللحم المتهدلة من بطنه الضخم. . وخلفه سار مجموعة من أنصاره ينطون كالضفادع ، وقد علا نقيقهم وهم يهتفون باسمه ، ويوزعون مناشير دعايته الانتخابية .
كان الناس يلتقطون المناشير ويتأملون وجهه الذي يشبه وجه سلحفاة هرمة . فيصرفهم ذلك عن قراءة برنامجه الانتخابي الذي صاغه ببغاء من ببغاوات الحزب اعتاد أن يسترزق من استغلال امية المرشحين …..
وصل الموكب الانتخابي إلى ساحة “” النجاح”” حيث اجتمعت أصناف من الناس ، من بينهم أنصار الحزب ، وعائلة المترشح ، والطا معون والفضوليون ، والنشالون ، والقوادون ، والمومسات والمثليون . والعاطلون.. تدحرج “”الحاج الكرمة “” متجها نحو المنصة ، وهو يرفع يديه القرديتين محييا ، ويرسم على شفتيه ابتسامة تشع المكر ، الذي يمتزج في فضاء الساحة مع نظراته المشبعة بأشعة النفاق والانتهازية ..
قفز قفزة عالية ليلقي بجسمه على الكرسي الفخم ، الذي يستظل بصورة مكبرة له. لكن المكتب الكبير أخفى جسده ،فلم تظهر منه إلا جبهة تعلو وتنزل في محاولة منها لرفع الوجه إلى أعلى .فسارع أحد أنصاره بوضع مخدة أعدها سالفا.
علا النهيق والنقيق والقوقأة .. والنعيب والنبيب ، والصراخ . والهتاف للمترشح الهمام ، الذي ألفوه وسلموا الأمر لربهم ، بعدما تأكدوا أنه خالد ، لايقهر، لدرجة أن بعضهم آمن بأن له قوة خفية تقهر كل المنافسين .
خفتت الأصوات تدريجيا فران الصمت على الساحة .. رفع الحاج الكرمة يديه ، فضج الفضاء بالزغاريد والهتاف ، ثم انخرط الجميع في رقصة انتخابية على إيقاع الطبول ، والدفوف والغيطة . اشتدت حماسة الحاج واستبد به الطرب ، مما دفع مساعديه لرفعه ووضعه فوق المكتب ، ليقدم عرضا راقصا يبز رقص أشهر شيخات العيطة . توقف الكل عن الرقص ثم التفوا حول الحاج الذي جعل من مكتبه منصة فنية.-
مصفقين مهللين . مشجعين .
توقف الحاج عن الرقص فسارع مساعدوه لنقله إلى كرسيه باحترافية ومهنية عالية..وما لبث أن وقف على الكرسي ليتجلى لمناصريه ثم أخرج من كمه ورقة يبدو أنها خطبة عصماء تفنن فيها ببغاء الحزب . وطبعا ستنسب للحاج. بسمل وهل وحوقل وصلى على النبي . ثم تنحنح وسوى ربطة عنقه .. ثم بد أ قراءة النص بفصاحة نادرة .. ران الصمت على الجماهير وقد علت وجوههم الدهشة والعجب .. وفجأة انفجر الجميع في نوبة ضحك هستيرية .. توقف الحاج عن القراءة وقد أصابته الحيرة والعجب من سلوك الجماهير . مد الحاج الخطبة لمساعده الذي انفجر هو الآخر في نوبة ضحك ..فقد اكتشف أن الببغاء الخبيث كتب كل الخطبة بصيغة المبني للمجهول.
من مجموعة صدى الأيام
الكاتب المصطفى كووار/ المغرب
