الأحلام

You are currently viewing الأحلام
الاحلام

كم كنت حالمًا، عندما كان عمري عمر دجاجة بيضاء، كانت الأحلام وفِيرة، ملاك وعصفور جنّة، فرشاة وألوان، فراشات مُزْركشة، رسائل ورقية وقِصة حـب لا تنتهي
لقد خفنا كثيرًا من سعد الأيام ومن تلك العجوز الشمطاء التى تأتي دومًا وقت الظَهِيرة، كانت ألعابنا من حَفْنة تُراب وطين مصنوعة، ورسوماتنا كالمعتاد فصل الخريف والربيع أو جني ثمار الزيتون والقدس وعلم فـلـسـطـيـن، وإن تشاجرنا وبعد عِراكنا تصير صُحْبة ورِفقة وصداقة طويلة وتتمدد أكثر وأكثر، كان السرّ بيننا لا يخرج لأكثر من اثنين والودّ ينثر أريجه داخل الروح، والفرح والسعادة والسرور يلف رداءه الجميل حولنا ويغمرنا جميعهم غمرًا، لقد كنتُ أشبه بطائر ولطالما أمتلكتُ جناحًا وحلقتُ عاليًا

لم يأتي سعد الأيام ولم أرَ قَطّ تلك العجوز، ولربما كانا الاثنين مجرد خُرافة تسردها لنا جدّتي حتى ننام بِعكس خرافة ليلى والذئب والتى تعلمنا منها بعض الأشياء، إلا أن الذئب لم يأتي هو الاخر

لقد كبرنا يا سيدي وبلغنا الحُلُم ولكننا لم نعد نحلم، لم نعد نطير، اصطكت أسناننا بصخرة الواقع
لم تكذب جدتي يومًا وكأنها كانت تدرك بأن لا مفر لنا من مُلاقاة تلك العجوز الشمطاء، هجمت العجوز مع ذئبها المُفترس، لم يبقى في الحُـب إلا ثُلَّة من الشوق وقِصة فاشلة تسردها لنا الذكرى بينَ الفيْنةِ والفيْنةِ، وأعتقد بأننا لم نتعلم من الماضي ومن قِصص جداتنا العميقة
لقد تحول سعد إلى نحس وتعس، وصار الغَد كالأمْس، الأيام كُـل الأيام تشابهت، ومرَّ العمر راكضًا دون توقف يعج بِأصوات التَذمّر والتأفّف، البشر تغيرّت، النفوس إنقلبت، السجيَّة انحرفت، تبدلت الطِباع و تحولوا الناس إلى ذئاب وسِباع تنهش بعضها بعضًا

أذكر جيدًا خرافة جدتي (الزبدة وبلاد الغوال) لم تكن خُرافة، أرادت جدتي أن نميز بين الخير والشر، بين المقبول وغير المقبول، اختلف الزمن يـا جدتي وصرنا نسكن عالم الغيلان، عالم مملوء بالأشباح، عالم يشرب الدماء كل صباح ومساء، عالمًا يفوح ويعج بالبغضاء، والموت في كل الأرجاء، صرنا موتى يـا جدتي ولم نعد أحياء، حتى أن أمنيات أطفالنا سيارات مُصفحة وبُنْدقية مَطويّة وجيوب مملوءة بالنقود والعملات الصعبة
نحن فاشلون يا جدتي، نحن فَشَلة يا سيد، لا إعادة تدوير تنفع ولا مَكبّ يقبلنا، مجرد حطام لا يصلح لشيء، قد تقول نحن بحاجة إلى إعادة تأهيل فحسب
لا يا سيدي، نحن لم نأخذ بالنصائح ولا بالوصايا العشر، نحن أشبه بزجاج مكسور منثُور على الطريق يدمي أقدام المارة، لا ينفع فينا صناعة من جديد أو صهر، هي حفرة ليست مجرد حفرة ولا كأي الحفر بطول الجسد وبِقطر شبر أو أكثر بقليل أسمها اللَّحْد أو شقًا في القبر، وحفنة من ذاك التراب والطين.


الكاتي الحسين صبري/ ليبيا

سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.