لم أستفق هذا اليوم رغم رنات الهاتف، إلى أن قفزت من سريري على صوت صوفي وقد أزاحت ستار النافذة. يا إلهي نمت كثيرًا ولم أشعر بشيء! ترجلتُ مسرعة بعد أن غيرت ملابسي.
مؤكدٌ سأسمع من المدير ما يزعجني، حتى إنني لم أتمكن من تناول فطوري؛ مما جعلني أركض مسرعة رغم نداء أمي وعتابها علي.
وصلت متأخرة بدقائق، لم ينتبه أحد إلي فرحت من أجل ذلك، واسترسلت في عملي المتراكم علي كالعادة. جاء وقت الغداء فحضرت ليفيا إلى مكتبي، فعلًا اشتقت إليها وإلى حديثها الممتع.
– أهلًا بسنو وايت، لقد تركت فراغًا بغيابك عني، ربما نسيت صديقتك.
– لا تقولي ذلك، أنت دومًا في البال، أخبريني كيف هي صحة والدك؟
– لقد تحسن هو الآن أفضل.
– ليفيا، إنه أبوك اعتنى به، فأنت لن تعرفي قيمة الأب إلا عند الفقد، فقدتُه صغيرة والآن أحتاجه، لكن هيهات من يموت لا يعود.
– لا عليك عزيزتي، أمك معك وصوفي، وها هو جاك أتى ليسد الفراغ ويعوضك حنان أبيك، أخبرني كيف قضيت معه نهاية الأسبوع؟
– لحظات كانت غاية في الروعة، كلها حب وانسجام تمنيت لو لم تنقضِ.
– ماريا هل قربت نهاية عطلة جاك أم ما زالت طويلة؟
– أظن لم يبقَ له كثيرًا وسيعود إلى بلده ولا أعرف كيف سأعيش من دونه؟
– أكيد قد يزورك عزيزتي في إحدى العطل، لا تفكري في ذلك الآن عيشي لحظاتك.
انتهى وقت عملنا ليخرج كل واحد منا إلى حال سبيله، وجدت جاك في انتظاري كالعادة، دعانا أنا وليفيا لشرب شراب مع بعضنا البعض، قضينا أمسية رائعة ضحكنا وتحدثنا، مر الوقت بسرعة دون أن نشعر به.
غادرنا المكان حيث ذهبت ليفيا مسرعة إلى البيت فوالديها يحتجانها لأنها هي من تعتني بهما، وصل معي جاك إلى البيت وقبل أن يودعني أخبرني بأنه لم يبق له كثيرًا وسيعود إلى بلده بعد ثلاثة أيام، انقبض قلبي وأحسست بالبكاء، لم أشعر إلا ودمعة على خدي مسحها بيده ليأخذني في حضنه.
أخبرني أنه سيهاتفني كل ليلة وقد يأتي في أي عطلة تسمح له الظروف لرؤيتي، غدًا سيكون عيد ميلاد جاك سيكمل الثلاثين من عمره؛ لذا قررت أن أصنع له مفاجأة على أن أنام مبكرة لأستعد لتحضيرات عيد ميلاده سيكون ذلك في بيتنا.
استيقظت صباحًا قبل الوقت المعتاد، هاتفت ليفيا لكي تصحبني بعد العمل ونشتري هدية لجاك وباقي الأشياء، كما أخبرت حبيبي أن لا ينتظرني بحجة أنني لدي بعض الأشغال العالقة، وبينما أنا في العمل منهمكة أتت ليفيا تستعجلني حتى لا نتأخر عن الترتيبات وعدتها أني حالًا سأنتهي.
تجولنا تقريبًا على كل المتاجر، وبعد جهد جهيد توصلنا إلى اختيار نوع مميز من العطر اشتريته له، وأسرعنا إلى البيت لأجد صوفي وأمي قد حضّرتا كعكة كبيرة والشراب وزينتا المكان بالورود .
انهلت عليهما بالقُبل والشكر، وهاتفت جاك ليحضر في الحال، لم تمض دقائق حتى كان في البيت ففوجئ بما أعددناه له وفرح كثيرًا لأنه لم يكن ينتظر ذلك.
قضينا وقتًا جميلًا؛ أكلنا، وشربنا، ورقصنا مع أنغام الموسيقى إلى أن جاء وقت النوم. ذهبت ليفيا إلى بيتها كما استأذنتنا صوفي وماما، أما أنا أسرعت إلى جلب الهدية، قدمتها لجاك ففرح بها كثيرًا وطلب مني أن يجلس معي بعض الوقت.
رافقني إلى غرفتي، لقد أعجبه بيتنا، سألني عن الغرفة المجاورة لي لمن تكون؟ أخبرته أنها لأخي (ألفريدو) أحضرت له ألبوم صور العائلة بينما أنا دخلت إلى الحمام لأمسح آثار المكياج استعدادًا للنوم.
أصر جاك أن لا يذهب حتى أنام على عزفه بقيثارة أبي، سررت لذلك كثيرًا كما راق لي أن أسمع منه ذلك، وددت لو يظل معي طوال الوقت فهو يشبه أبي حتى عند عزفه وفي إحساسه وذوقه المتميز، الوحيد الذي لمس في روحي وترًا ليعزفه لحنًا جميلًا ويأخذني معه إلى عالم المثل والنقاء، جاك عوضني عن أبي؛ لأنه منحني ما كنت أبحث عنه ألا وهو الأمان الذي لم أشعر به يومًا.
استيقظتُ صباحًا ولم أجده بجانبي، مؤكدٌ قد غلبني النوم حين كان يعزف، فلم أنتبه عند ذهابه، أشعر بحزن عميق فلم يبق له إلا يومًا هنا، بعدها سيعود إلى بلده، أتمنى أن لا تحدث أيَّة ظروف تنسيه إياي، فقلبي تعلق به كثيرًا ولن أتحمل فراقه.
هو الحب عاش وهو يقسو علينا! يبدو جميلًا في لحظاته الأولى، لكن لا يلبث أن يتحول إلى حزن باذخ عند رحيل من نحب؛ فالأمر أشبه أن تظل طول الوقت تحيا بجسدك بعد أن سلبك الوادع روحك معه، أخاف أن يحدث معي ذلك وأعيش الحزن وجاك بعيد عني وقد أخذ روحي معه، أخشى من قدر لا أعرف ما يحمله لي ويخبئه وراء ستائره.