كفاح أرملة

You are currently viewing كفاح أرملة
كفاح أرملة



خُيِّمَ الظلام على الكون وأسدل الليل ستائره على البيوت لتنام الحياة، وَيَعُمَّ السكون فتُغْلَقُ النوافذ طلبا للراحة إلا أحلام، مازالت في شرفتها واقفة تتأمل سحر الهدوء، رفعت عينيها إلى السماء وكأنها تبحث عن شيء تائه لتجدها وقد ملأتها السحب ربما تنذر بقدوم ليلة ممطرة، ماهمها البرد وهو يلسع خذيها فقد أنستها ذكراه.
تُراهُ هل يراها من هناك؟ وروحه أتُحَلِّقُ فوق تلك الغيوم أم لا شيء يحدث مما تفكر فيه؟ دمعة انسابت غصبا عنها، مسحتها وحبست عبراتها لا تريده أن يُعَذَّبَ في قبره بسبب بكائها، هذا ما كان يقال لها.

دخلت إلى غرفتها باتجاه آلة الخياطة، لتكمل تلك الملابس المطلوبة منها لخياطتها، هي أحلام الأرملة المكافحة، رحل عنها زوجها تاركا لها مسؤولية ابن وابنة تحملتها بحب وصبر، ما كان يهمها نفسها ولا شبابها الذي يذبل، إلى أن ذبلت كوردة اجثت من منبتها، لقد كان أملها أن توصل طفليها إلى بر الأمان، وإن كانت تعلم جيدا أن أجمل سنين عمرها ستقضيها أمام تلك الآلة، لم يحزنها ذلك يوما مادامت ستجني من وراء تعبها ثمارا.
عاشت تخاف أن يرسم لها القدر بريشته خيبة أمل لمستقبل ابنها وابنتها، تكون ضربة موجعة لها، هذا ما كان يؤرقها كثيرا بل ويُذْهِبُ النوم عنها. لكن القدر ابتسم لها وهي ترى ابنتها قد توظفت وتزوجت وأيضا رحل عنها ابنها الذي تزوج وأصبحت له وظيفة مرموقة.
ابتسمت وهي تنظر إلى صورتها وتستعرض كل تلك السنين التي مرت وهي جالسة أمام آلة خياطتها التي ما فارقتها، كم كانت دهشتها! وقد رأت أن التي أمامها ما عاد تشبهها، وهي الآن شخص آخر أخذت منها الأيام كل جميل، ما تركت فيها سوى تجاعيد نحثتها الظروف بريشتها.

تنهدت وهي تدري أنه لم يتبق لها شيء سوى ذكرياتها من تعزيها وتؤنسها في وحدتها بانتظار أن ترحل إلى عالم آخر، ذاك الذي سيعيد إليها كل جميل أخذ منها.



سميا دكالي

أقدم بين يدي كل عابر على صفحتي عصارة إحساسي مترجمة أحداثا قد أكون عشت بعضا منها. وأخرى صادفتها عند غيري, اتمنى ان تنال إعجابكم وسيكون لي شرف من سيتابع كتاباتي.