ودعت إيزلا إيرس ودموعها على خدها، لم تصدق أنها ستترك البحر الذي احتضن طفولتها وذكرياتِها وأحلامها، من المؤكد أنها لن تستطيع فراقه ولكن ذلك لن يكون سوى مؤقتا. فغيابها لن يطول كثيرا. هذا ما ظلت تعزي به نفسها المنكسرة.
اقترب دانيال منها وأخذ يدها ليحتضنها ويخفف عنها أوجاعها وما جرعته لها الأيام، إلا أنه شعر مجددا بشىء نحوها بنفس الإحساس الذي زاره سابقا بدأ يتأكد انه هو ذاك المسمى بالحب الذي دخل إلى قلبه دون استئذان. ابتعدت منه كالعادة ربما نفس الشعور انتابها، مسحت دموعها لتتسلح بالصبر والصمود فتواجه المجهول الذي يتربص لها فليس هي التي تستسلم بسهولة، لقد عودها أبوها أن تكون الأجلد عند المحن الأقوى عند مواجهة الصعاب منذ أن وعت بالوجود، حتى لا تهزمها الظروف التي سوف تعصف بها كغيرها، وهي مسافرة على متن قطار الحياة.
عاد دانيل وإيزلا إلى البيت لإعداد حقائبهم نادت على روكي لتأخذه معها فهي لا تستطيع الاستغناء عنه، هو من بقي لها الآن ليؤنسها ويواسيها، وبينما هي في طريقها إلى الطائرة رفقة دانيال ورفيقاه توقفت تتأمل بيتها والبحر، وصورة أبيها وإيرس لا تفارقانها إلى أن جدبها دانيال من يدها مستعجلا بها حتى تصعد وتأخذ مكانها، يريد أن يبعدها عن هذا المكان لعل التفكير يرتاح منها.
تدري أنه ما عاد لها مكوث هنا فلم يبقى أبوها على قيد الحياة حتى يهتم بها، وهي إن عادت إلى الجزيرة بعد رحلتها هذه التي لا تدري عنها أي شيء، ولا مع من ستلتقي، ولا كيف ستُعامل في ذاك العالم الغريب؟ فذلك طبعا لن يحصل إلا بعد استرجاع نفسيتها التي هي ضائعة الآن، عليها أن تكتشف العالم الآخر وأن تندمج مع البشر، أن تتعرف إلى طبائعهم المختلفة والمتقلبة فبقدر ما هي متلهفة لمعرفة حياتهم، إلا أن الخوف قد غمر قلبها اتجاههم.
صعدت وأخذت مكانها وكلبها معها، أما دانيال فقد ابتسم لها وقلبه كاد أن يطير فرحا دون أن يدري أنه وقع في حبها، حلقت الطائرة بعيدا شعرت حينها إيزلا بغربة موحشة، وقد بدأت الجزيزة تصغر أمام عينيها إلى أن تلاشت لتتيقن أنه لا أمل للبقاء.