كان جيمس قد كتب في وصيته أن يُدفن بجانب زوجته في تلك الجزيرة المعزولة، حرصت إيزلا على أن تحقيق رغبة أبيها أنهوا مراسيم الدفن وقلبها يكاد ينفطر حزنا على فراقه، تسلحت بالصبر محاولة إخفاء دموعها، فأبوها لن يعود إليها مرة أخرى.
صعدت إلى غرفتها لتجمع أغراضَها وملابسها، وكل ما طلبه منها دانيال استعدادا للسفر معه، ستزور أهلَ أمها وإن لم يسبق لها مشاهدتهم وتقوم بعدها بتسليم الملف إلى الشركة حتى يعاودوا دراسة مجريات العمل التي ستتغير دون شك، أذعنت للأمر وفي نيتها العودة لمتابعة البحث والغوص في أعماق البحر.
ألقت نظرة على غرفة أبيها وغصة بداخلها على ترك ذلك المكان الذي ماظنت يوما أن الحياة ستجبرها على ذلك، لم تتمالك حتى سالت عبراتُها كقطرات المطر وهي تشهق بصوت متقطع، أخذها دانيال في حضنه محاولا تهدئتها، شعور غريب بدأ يسري في جسده تمنى لو بقيت بين ذراعيه، لكنها ابتعدت خوفا أن تقع في شراك إحساس أحسته هي الأخرى.
حاول دانيال أن يتناسى الأمر طلب منها الإسراع في جمع الأغراض للرحيل من الجزيرة قبل أن يتقلب الجو، أمهلته إيزلا حتى تودع صديقتَها إيريس على أمل اللقاء بها يوما ما، لم تكن تدري أنها ستفارقها فهي من قضت معها أجمل أيامها والبحر خير شاهد على ذلك، لم تعرف سواها وروكي عاشت في عزلة عن العالم، مصاحبة الطبيعة ومستمتعة بكل ما فيها.
لم يمانع دانيال بل رافقها وهو يعلم بالكمّ من المعاناة التي تحملها بداخلها، بعد أن انتُزِع منها كل شيء جميل كانت تملكه.
أسرعت نحو الشاطىء وروكي ودانيال معها، نادت على إيريس لم تمضِ دقائق حتى لاحت لها من بعيد آتية نحوها، سبحت إيزلا باتجاهها لتعانقها كما تحضن الأم طفلها لقد ألفتها حتى باتت جزءا منها، كلمتها وأخبرتها أنها ستسافر بعيدا لقضاء مهمة، وحتما ستعود إليها طمأنتها بأن لا تقلق عليها وإن غابت عنها أياما أو شهورا.
فالطير وإن هاجر موطنه هروبا من غضب الطبيعة وقسوتها، فالحنين يعيده حين تلبس الحياة حلتها الجميلة لتتزين بأبهى الألوان في الربيع، تستقبله مرحبة بأطيب وأزكى العطور ليغني أعذب الألحان ويشدو بأرق الأصوات مرفرفا في سماء الحرية بعد طول غياب.