الجزء الثالث
كان يبدو ظاهريا للحلاق الإنسان أن أدولف هتلر منتشي بتلك اللحظة بعدما التفت إليه الزعيم قائلا : -” يوجد دائما من هو أشقى منك ، فابتسم ” ، لكن الحلاق ذا البنية الرشيقة يقرأ مفردات تقاسيم وجه الديكتاتور جيدا وهو يطرق السمع صامتا حد الوجوم ، وحدها نفسه التواقة لغد تشرق فيه شمس الانعتاق من رائحة الدم والبارود تحاوره في إصرار غريب : -” أتعرف أيها القوي معنى الابتسامة وفحوى الشقاء ؟ تجلس هنا في مكان سري تشرب نخب المجد في حين أن العالم على موعد مع المجهول عنوانه الكبير: الشقاء ، ما قيمة مجدك عندما تبني عرشك على جماجم الملايين ، وماقيمة هذه الموسيقى الحالمة أمام صرخات الثكلى وأنين المحتضرين ، ومامعنى لوحاتك الفاتنة الموضوعة على خرائط دول استبحت حماها بجرة قلم ، لقد سمعتك قبل قليل تخاطب جنيرالا وفيا : ” الفشل في التخطيط يقود إلى التخطيط للفشل ” ، فماذا خططت للعالم ياترى ؟ ” ، لم يشعر الحلاق وهو في حالة أقرب إلى الهذيان كيف ومتى استدار إلى حائط وذرفت عيناه دمعا ، اصطنع الثبات ، فتح حقيبته ، أخرج منها موس الحلاقة ومعدات أخرى ، اقترب ببطء فخاطب الزعيم : -” هل لي أن أحلق ذقنك وأسوي شاربك سيدي ؟ ” ، تبرم الرايخ وعقب من غير أن ينظر إليه : -” لا ، لا ، سأقوم بذلك بنفسي بعدما تنتهي إيفا من قراءة الرواية ، بإمكانك المغادرة الآن ، الساعة تشير إلى الخامسة صباحا ، سأباشر مهمة المتابعة اللوجستية في الأراضي الشاسعة التي دخلتها قواتي الباسلة،ناد على كبير الحراس يأتيني بجنيرالاتي حالا ” .
تنفس الحلاق الصعداء وشعر بنجاح خطته الذكية في إخراج موس الحلاقة أمام الزعيم لينسحب من السرداب وياليته يغادر ولا يعود إليه وإلى الرايخ أبدا ، عند فتحه الباب الحديدي استدار نحو أدولف الذي كان ساعتها يمد المدفأة الحجرية بالحطب وهمس :
-” المدفأة في اشتعال ، والحروب مشتعلة في هذا الليل البارد ، أردت من أمد بعيد أن أوقظ ذلك الطفل الذي يسكن فيك ، لكن سيكتب عنك التاريخ أنك أردت مجدا كرسيه على الدماء ، ستعرف بذلك كما عرفت بشاربك الذي يشبه فرشاة أسنان ، فليغفر لي الرب خطيئة قربك ” . انتهى
( للتذكير فإن هتلر لم يكن له حلاق خاص أصلا ، لأنه كان ببساطة مصابا بفوبيا موس الحلاقة ، كان يحلق ذقنه بنفسه ، وماجاء في النص مجرد تخييل لسبر دواخل زعيم كان يرعب العالم لكن بداخله هشاشة إنسان ) .
القاص جمال عتو المغرب